تستمر قضايا مثل مصروفات بعض الجهات الرسمية وقوانين الاستقرار المالي والذمة المالية والـB.O.T في إثارة الجدل لأن بالإمكان تحقيق الثراء الشخصي منها، ولهذا نجد بعض سياسيينا يستبسلون للتأثير بها رغم أن تعارض المصالح «لابسهم من رؤوسهم إلى أرجلهم». وإن أردنا أن نرى اختلافاً بارزاً بين بعض سياسيينا وسياسيي الدول المتقدمة في نظرتهم إلى العمل السياسي واستفادتهم الشخصية منه، فما علينا سوى متابعة حركة حساباتهم المصرفية، فأرصدتهم جميعاً ستتضخم غالباً، ولكن الفرق في توقيت تضخمها، فعندهم يتحقق الثراء بعد ترك المنصب، إذ يقبل السياسي براتب ضئيل مقابل اكتساب الخبرة والاطلاع وتكوين العلاقات ليستثمرها لاحقاً استثماراً مشروعاً في تحقيق الثراء الشخصي، أما السياسي عندنا فيحقق الثراء بينما هو في منصبه، إما عن طريق المطالبة بزيادة راتبه، وإما بالتنفيع والاختلاس، وإما بالاثنين معاً.
ومن أبرز الأمثلة على ضآلة الرواتب، يقبض رئيس الولايات المتحدة 400 ألف دولار أميركي فقط سنوياً، أي 9450 ديناراً كويتياً شهرياً، وهو نصف ما يقبضه رئيس تنفيذي لأي بنك كويتي، بينما يقبض كل من نائب الرئيس ورئيس مجلس النواب الأميركيين خمسة آلاف دينار شهرياً، وفي بريطانيا، يقبض رئيس الوزراء 198 ألف جنيه استرليني سنوياً، أي 7800 دينار شهرياً، وراتب الوزير يعادل 5700 دينار شهرياً. وإذا ما أخذنا في الاعتبار قوانين الذمة المالية الصارمة وعيون المجتمع المدني المبحلقة على أرصدة السياسيين، فإنهم لن يحصلوا على أكثر مما سبق ذكره من أرقام أثناء وجودهم في المنصب.ولكن بعد ترك مناصبهم تأتيهم فرص الثراء من خلال عرض خبراتهم وعلاقاتهم الواسعة كخدمات للحكومات والشركات والمنظمات، أو كتابة المذكرات والتحدث في الندوات. بيل كلينتون على سبيل المثال دفع له بنك الكويت الوطني 350 ألف دولار للتحدث في ندوته التي أقيمت في الكويت الشتاء الماضي، ونائبه آل غور أصبح أكبر منظّر لظاهرة الاحتباس الحراري ويجوب العالم لإعطاء المحاضرات بمقابل، بالإضافة إلى عضويته في مجلس إدارة شركة «آبل» للكمبيوتر، وسيلحق بهما جورج بوش في تحصيل رسوم التحدث والمذكرات بعد أن ينتهي من تأسيس مؤسسته، وتوني بلير يقدم لدولة الكويت استشارات سياسية وإدارية بمقابل، وسلفه جون ميجور يرأس المجلس الاستشاري الدولي لبنك الكويت الوطني، حتى الأميركية مرشحة نائب الرئيس السابقة سارة بالين استقالت من منصبها كحاكمة ولاية ألاسكا، وستشارك الأسبوع القادم في مؤتمر استثماري في هونغ كونغ لأول مرة كمتحدثة بمقابل لن يقل عن 100 ألف دولار.السؤال الآن، ما الذي يجعلهم يصبرون ويطمئنون إلى أنهم «لاحقين» على الثراء بعد ترك المنصب؟ ولماذا يجعل سياسيونا من «الحق لا تلحق» حكمتهم في الحياة؟ الجواب بسيط، فأسماء مثل كلينتون وغور وبلير لديها ما تقدمه وتضيفه، وهو ناتج تراكم خبرات وسنوات من العمل الجاد واطلاع على شؤون العالم، والأهم من ذلك، لديهم قصص نجاح يضعونها في السيرة الذاتية. بينما «ربعنا... يا الله من فضلك»... لا خبرات ولا اطلاع ولا نجاح، فعندما يُـنَـظِّر كلينتون علينا في الاقتصاد فهو الذي حقق لبلاده أكبر طفرة اقتصادية وفائضاً في الميزانية في دورتين، وعندما يعلمنا بلير الإدارة والإصلاح فهو الذي أعاد تعريف حزب العمال وأعاد رسم السياسة الداخلية في بريطانيا في ثلاث دورات، فماذا سيقدم رئيس وزرائنا- بعد ست حكومات- للدول الأخرى بعد انتهاء عهده لو طلب منه ذلك؟ وما نوعية الاستشارات في الإدارة والتنمية التي سيقدمها الشيخ أحمد الفهد للدول الأخرى؟ فقط الناجحون هم من يُـنَظِّرون ويُـعَـلمون الغير ويحققون الثراء- المشروع- من ذلك، أما غيرهم فقدراتهم تقف عند استغلال المنصب.Dessertالدستور الأميركي في مادته الثانية لا يسمح للرئيس أن يزيد راتبه أثناء حكمه، ولذلك لم يتمتع كلينتون بالزيادة التي أقرها في عهده، بل كانت من نصيب الرئيس بوش من بعده.
مقالات
الحق لا تلحق
18-09-2009