التأويل المغرض لهزيمة حسني

نشر في 27-09-2009 | 00:00
آخر تحديث 27-09-2009 | 00:00
 ياسر عبد العزيز علقت دوائر معتبرة عدة، في العالم العربي وخارجه، بأسى وأسف شديدين على خسارة فاروق حسني المنافسة على منصب مدير عام اليونسكو وما اكتنف المعركة التي خاضها من أجواء وممارسات، ووصف البعض تلك الخسارة بأنها «مست جرح صدام الحضارات»، و«أظهرت ازدواجية السياسة الغربية»، و«كشفت حقيقة أوباما»، و«أسقطت ادعاءات الغرب بقبول الآخر»، و«كرست حقيقة أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا»، وهي أمور وشواهد كبيرة، لا أعرف كيف يمكن الاستدلال إليها عبر حدث تفصيلي وجزئي على هذا النحو، ومن خلال منافسة إجرائية على قيادة واحدة من مئات المنظمات الدولية، مهما كانت فاعليتها.

فقد سبق أن تولى مسلم إفريقي هو أحمد مختار أمبو منصب مدير عام اليونسكو نفسه، بل ظل فيه على مدى الفترة من 1974 إلى 1987، كما سبق أن تولى مصري قبطي منصب أمين عام الأمم المتحدة، فيما حصل مصريان مسلمان هما نجيب محفوظ وأحمد زويل على جائزة نوبل في الآداب والعلوم، وتولى مصري مسلم آخر هو الدكتور محمد البرادعي منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو منصب أشد خطورة من الناحية الاستراتيجية والسياسية.

لكن الحشد الهائل الذي تم تسخيره لانتخاب حسني كان سبباً في إذكاء الاهتمام بالمنصب والانتخابات التي جرت للحصول عليه، وكان في الوقت ذاته سبباً في إعطاء الانطباع السائد بأن الخسارة تتعلق بالأمتين العربية والمصرية أو بعالم الجنوب أو بفكرة حوار الحضارات وصولاً حتى إلى فكرة السلام العالمي.

ليس منصب مدير عام اليونسكو بالمنصب الهين، لكن عرباً ومسلمين سبق أن فازوا بمثله وبأهم منه، ولم تكن المعركة التي خاضها حسني سهلة أو بعيدة عن السياسة، لكنها لم تكن صراعاً حضارياً بين الشمال والجنوب أو الإسلام والغرب أو العرب وإسرائيل.

أبرز الخاسرين في تلك المعركة ليس إلا فاروق حسني نفسه بالطبع، لأن الرجل أراق ماء وجهه، وقدم الاعتذارات المغلظة عن تصريحاته في شأن «حرق الكتب الإسرائيلية»، وتعهد بترجمة أعمال أدباء إسرائيليين، واستضاف موسيقاراً إسرائيلياً في دار الأوبرا، ومنح القمني جائزة الدولة التقديرية ولم يفده ذلك بشيء. يعود فاروق حسني إلى مصر متراجعاً عن تصريحات سابقة له بالاستقالة من منصبه الحكومي في حال خسر المنصب الدولي، ومدعياً أنه يفعل هذا لكي «يقف في وجه الذين أسقطوه ووقفوا ضده»، متناسياً أن ذلك يأتي على مصداقيته تماماً، ويسلبه أي رصيد حققه خلال محاولته تلك مهما كان ضئيلاً.

الحكومة المصرية أيضاً منيت بخسارة كبيرة من جراء هزيمة حسني؛ إذ وضعت كل إمكانات الدولة وراء ترشيح وزير الثقافة، واستخدمت علاقاتها بعدد كبير من قادة الدول للتأثير فيهم بغرض تأمين الدعم للمرشح المصري، بل إنها عقدت صفقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم تَرشَح كل تفصيلاتها، لكن بدا أنها انطوت على تعهد من ذلك الأخير بعدم العمل ضد ترشيح حسني في مقابل تحقيق بعض المطالبات الإسرائيلية لدى القاهرة في ملفات أخرى.

لن تجد الدولة المصرية مبرراً مقنعاً لحشدها كل إمكاناتها في معركة خاسرة وراء مرشح مثير للجدل، كما ستجد نفسها في مأزق إذا سمحت له بالعودة إلى منصبه بعد 22 عاماً أمضاها فيه من دون إنجازات كبرى وبعد تعهده السابق بالتنحي عنه.

لا شك أن من ضمن أسباب خسارة حسني كونه ينتمي إلى الحكومة المصرية التي تُصنف في الكثير من الأدلة الدولية في مراتب منخفضة لجهة معايير الديمقراطية والكفاءة ومحاربة الفساد، كما أن العالم يعرف أن الـ22 عاماً التي أمضاها في منصبه لم تأخذ الثقافة المصرية إلى آفاق من النجاح والتأثير، بل ربما عوقتها وزادت من مشكلاتها. إضافة إلى ذلك، فالرجل تخطى السبعين من عمره، فيما منافسته في الـ57، وقد تعرض لاتهامات كثيرة تخص أعمال وزارته، ولم ينج كثيراً من الشبهات التي حامت حوله لأسباب عديدة.

وعلى صعيد تنظيم الحملة وخوض المنافسة، فلا شك أن الإدارة المصرية اعتراها بعض القصور في هذا الصدد، ليس فقط لأن الحكومة المصرية، على مدى العقود الثلاثة الفائتة، عرفت الكثير من الخلل ونقص الكفاءة، خصوصاً في ملفات السياسة الخارجية والأدوار الإقليمية والدولية، ولكن أيضاً لأن القاهرة أهملت كثيراً ملفات العلاقات بدول أميركا اللاتينية وإفريقيا في الآونة الأخيرة.

وينشأ الإشكال الكبير حين يتم التغاضي عن كل تلك الأمور، ويتم تجاهل الخاسر الكبير في هذا الصدد، وهو «المقاومة العربية السياسية والثقافية للسياسات الصهيونية وللممارسات العدوانية للدولة العبرية».

فما حدث أن خسارة حسني قُدمت على أنها خسارة فارس عربي نبيل في معركة ضد الصهيونية العالمية والغرب المؤيد لإسرائيل، وإذا كان الأمر يقتصر على حفظ ماء وجه حسني أو الدولة المصرية لما وقع إشكال كبير، لكن ما يجعل الأمر كارثياً أن يرسخ في نفوس الفاعلين السياسيين والثقافيين العرب أن أحداً منهم لن يحظى بأي موقع عالمي طالما كانت إسرائيل غاضبة عليه، وهو أمر ذو تأثير في القضية العربية أنكى وأقسى مما يتصور أحد.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top