في الديمقراطيات الراقية القوية يخرج قطار عن مساره، فيستقيل وزير المواصلات، وأظنه سيطيب لنا، أن نتظاهر برقي وقوة ديمقراطيتنا، فنطالب أيضا باستقالة د.فاضل صفر وزير الأشغال العامة على إثر كارثة محطة مجاري مشرف الغارقة!

Ad

أولا، وكي أكون واضحاً، سأسأل: هل ترقى «كارثة» محطة مشرف إلى مستوى الفضيحة السياسية؟ وسأجيب: نعم ترقى. وسأسأل كذلك: هل تستحق مثل هذه الفضيحة السياسية أن يقدم وزير الأشغال العامة إزاءها استقالته؟ وسأجيب كذلك: نعم تستحق!

ولكن من المهم أن نتذكر وندرك دوماً أن الاختيارات والقرارات يجب أن تكون مرتهنة بأهدافها ونتائجها المرجوة، لا بالنوازع الشخصانية من ورائها.

هناك فرق شاسع بين العقليات المحيطة باستقالة وزير ياباني مثلاً على إثر حادث قطار، والعقليات المطالبة عندنا باستقالة د.فاضل صفر من منصبة إثر كارثة مشرف، فهناك، واليابان مثال لا أكثر، لا يستقيل الوزير في خضم الأزمة، ولا يترك موقعه والنار مشتعلة، إنما يضع استقالته على طاولة المسؤولية السياسية بعدما تنجلي الأزمة وتتكشف أسبابها، ويتم علاجها، ليتحمل بعدها مسؤوليته بحكم منصبه حتى لو كان المخطئ عامل السكة الحديد، أو الفني القائم على برمجة الكمبيوتر الذي يوجه القطارات، لأنهم هناك يدركون معنى المسؤولية السياسية.

وأما عندنا فالعقليات المطالبة باستقالة د.صفر، أبعد ما تكون عن تلك العقليات. وما أكثر الأمثلة عن هذا. أحد الكتاب، وهو شخص دأب على أن يكتب ما لا تقبل صحيفته المطبوعة نشره، غالباً لركاكة لغته ورداءته وسوء ألفاظه، فينشره في مواقع الممنوع من النشر على الإنترنت بحثاً عن الأضواء، طالب باستقالة د.فاضل صفر من خلال سطور، لا تستحق أن تسمى مقالاً أصلاً، احتوت على نفس طائفي بذيء مذكراً القراء بعلاقته بتأبين عماد مغنية، فأي عقل هذا؟ بل أي أخلاق هذه؟! وغيره آخرون من نواب وكتاب طالبوا كذلك باستقالة الوزير، وهم حتى اللحظة لم يسمعوا من الحكومة تصريحاً واضحاً شفافاً، ولا رؤية حول متى وكيف ستكون نهاية الأزمة، وسبل علاجها وآثارها، وكأن خروج د.فاضل صفر من الوزارة الآن، في التو واللحظة، سيعالج الكارثة، ويعيد المياه إلى «مجاريها»، بل كأن طابوراً من الوزراء البدلاء ينتظرون عند ناصية الشارع للقفز لتحمل المسؤولية ومعالجة الأزمة، وأن الأمر لن ينتهي إلى تكليف وزير آخر بإدارة وزارة الأشغال بالوكالة، لتغرق في أزمتها كغرق كل الوزارات الأخرى، التي شممنا رائحة بعض أزماتها، وبعضها الآخر لايزال يسيل في السراديب، وسرعان ما سينفجر ويفيض!

يجب على مَن في عقله منطق وموضوعية، وقبل ذلك من في ضميره رغبة صادقة في الخير والحق، أن يطالب وزير الأشغال، وقبل مطالبته بالاستقالة، بعقد مؤتمر صحفي هو والجهات المعنية والمختصة، يعلن من خلاله وبكل شفافية ملابسات الأزمة، وكيف ابتدأت؟ وكيف تسير؟ وإلى أين ومتى وكيف ستنتهي؟ وما الأطراف الضالعة بالموضوع؟ وكيف تم توقيع العقد؟ ومَن الوزير الذي قام بتوقيعه؟ وما طبيعة المخالفات؟ وبذلك ستبين الحقائق وستنجلي، وسيبين للناس حقا من بكى ممن تباكى، بدلاً من أن تترك المسألة برمتها نهباً للشائعات الضاربة، وللتصريحات الخائبة، كتصريح هيئة البيئة من يومين حين أعلنت أن فحوصات مياه البحر قد جاءت إيجابية بشكل مذهل، لنتوه في المعنى، فهل المقصود بالفحوصات الإيجابية أنها ملوثة، أم أنها مطمئنة سليمة؟ ناهيك بالطبع عن المعنى العلمي لكلمة «مذهل»!

رسالة إلى د.فاضل صفر:

معالي الوزير، مثلك يدرك أن المنصب الوزاري في الكويت ليس دائماً، وأن ما بين أزمة وأخرى يمكن أن يتم التغيير بلا مقدمات، والسعيد من اتعظ بغيره.

سارع إلى كشف الحقائق، ولا تستجب لأي ضغط سياسي من هنا أو هناك، وضع استقالتك على طاولة رئيس الحكومة تحت تصرفه من باب تحمل المسؤولية السياسية واجعلها مرتهنة بنهاية الأزمة وعلاجها حتى لا يقال إنك هربت من المواجهة، وإن كان مكتوباً عليك أن تخرج من الحكومة على خلفية هذه الأزمة، فاخرج مرفوع الرأس.

***

الحمد الله أن استجابت وزارتي التربية والصحة لصوت العقل فقبلتا تأجيل العام الدراسي بعدما كان وزير الصحة يرى أن لتأجيل الدراسة تداعيات خطيرة، وبعدما كانت وزيرة التربية ووكيلتها تعارضان التأجيل وباستماتة.

الشكر لكل من ساهم في الدفع باتجاه هذا القرار العقلاني، وكل الأمل في أن تستطيع الجهات المسؤولة استكمال الاستعدادات الوقائية قبل بداية دراسة المرحلة الثانوية، فما رأيناه حتى الآن مع ابتداء امتحانات الدور الثاني لا يبشر بالخير.

وشكرا كذلك لكل من شاركوا بحملة جمع التوقيعات التي أطلقتها، والذين تجاوزوا الستين اسما، وسيتم بالطبع إيقاف الحملة لانتفاء الحاجة إليها الآن.