كل إنسان منقطع عن السماء، كائناً من كان، ما هو إلا بشر في نهاية المطاف، يعتريه ما يعتريهم من قصور وضعف، وإخفاق وقصر نظر، وبالتالي يجوز في حقه ما يجوز في حق البشر من نقد. هذه الحقيقة تبقى ثابتة مستقرة في إطارها النظري، حتى تخرج منه إلى عالم الواقع، لتصطدم مع ممارسات الناس في تقديسهم لمَن يعشقون، وترميزهم لمَن به يؤمنون.

Ad

النائب الفاضل احمد السعدون، على سبيل المثال، ليس إلهاً، وإنما هو بشر بطبيعة الحال، يعتريه ما يعتري الناس من صحة وعافية وسقم ومرض، ويحيق به ما يحيق بهم من نجاح وإخفاق، وهو ليس ممن لا ينطقون عن الهوى قطعاً!

هنا سأتوقف لأقول إني أدرك أن البعض سينظرون مباشرة إلى هذا الكلام على أنه انتقاد لأحمد السعدون وسيهاجمونني دون تردد ربما حتى قبل إكمال المقال، ولا بأس في ذلك إن كان سيريحهم نفسياً، لكن الكلام ليس كذلك، ليس لأني ممن لا ينتقدون السعدون، ولكن لأن المقال يريد شيئاً آخر، لعله العكس تماماً.

ما أريده بكل وضوح هو القول إن السعدون حالة بشرية معرَّضة للقصور والخطأ، ويزيد من احتمال وقوعها فيه أنها ليست جزءا من منظومة عقلية إدارية جماعية واضحة، فالتكتل الشعبي لم يصل إلى ذلك حتى الآن في قناعتي، بل لعله يسير في الاتجاه المعاكس، وإنما يرتكز السعدون غالباً في ما يصدر عنه من تصريحات وقرارات وتوجهات إلى قدراته واجتهاداته الفردية المعرَّضة للنقص بحكم الطبيعة البشرية، وبالتالي فإن جعل هذه الهالة التقديسية من حوله، ورفعه إلى مستوى الرمز المعصوم الذي لا يخطئ، بل ولا يجوز حتى مجرد التفكير في أنه قد يخطئ، سيوقعه، ويوقع أتباعه طبعاً وحتماً، في صميم الخطأ، وذلك لأنه سيفقدهم القدرة على الإحساس بإشارات الخطأ من بداياته، وسيوقعهم بالتبعية في حالة مزمنة من العزة بالإثم وعدم القدرة، ولا الرغبة، في التراجع عنه حتى بعد ثبوت الخطأ، لأن ذلك سيكون في نظرهم تقوية لشوكة خصومهم على حسابهم، وهذه هي المصيبة بعينها.

مَن يجرؤ على أن ينتقد السعدون اليوم، وبالطبع أعني الانتقاد الراقي لا الإسفاف ولا الانحدار الذي يمارسهما البعض من داعري الصحافة عندنا، أقول مَن يجرؤ أن ينتقد السعدون اليوم، سيجد نفسه في مرمى سهام وربما قذائف عشاق السعدون ومريديه، وسيجد نفسه متهماً بالعمالة لقوى الفساد، أو بأنه قد تم شراؤه، وغيرها من المصطلحات المعهودة، أو تلك الجديدة التي تتفتق عنها أذهان عشاق الرموز في مثل هذه المناسبات.

يا سادتي لنتعامل مع السعدون، وغيره من رموزنا (المفضلين) على أنهم بشر، يصيبون ويخطئون، ولذلك وكما يحتاجون منا الدعم والإسناد، فإنهم يحتاجون النقد والتوجيه، لأنه يفيدهم ويقويهم، والحصيف الناجح منهم مَن شارك الناس عقولهم، فتقبل انتقاداتهم بصدر رحب، وعدَّل من مسيرته إن هو انحرف، وتراجع عن الخطأ واعتذر بكل شجاعة إن هو وقع فيه، وقد قالها خير البشر صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون»، ولنتذكر دائماً، أن الشهاب اللامع يبقى مشتعلاً لامعاً حتى آخر لحظة في حياته، لكن هذا لا يعني شيئاً فنهايته قد تكون الاصطدام أو الاحتراق!

بارك الله لنا في نائبنا الكبير العم أحمد السعدون، ونفعنا به، وأعانه على أصدقائه ومحبيه قبل خصومه وكارهيه!