قطرات الزيت وسر السعادة
مازلنا في جو العيد، ولا "مزاج" للموضوعات "العفشة"، ولذا فسأعايدكم بدلاً من ذلك بقصة عميقة ذكرها الرائع باولو كويللو في "الخيميائي"، وتصرفت قليلاً بها.والبرازيلي باولو كويللو- وأظن أكثركم يعرفه- واحد من أشهر الروائيين العالميين، والذي بيعت ملايين النسخ من كتبه المترجمة إلى كل لغات العالم، وتصدرت مؤلفاته قوائم الكتب الأكثر مبيعاً مرات عديدة. يتميز كويللو بروايات تدور دائما حول المعاني الكبرى للحياة، بحبكات قد يبدو بعضها طفولياً للوهلة الأولى، كما هي حال روايته الأشهر "الخيميائي"، لكنها تنتهي بالقارئ دوماً إلى مواجهة التساؤلات والإجابات الأعظم. سلسلة روائع كويللو طويلة، ولا أذكر منها ما لم يذهلني حين قرأته.
يقول كويللو: أرسل أحد التجار ابنه لتعلم سر السعادة على يد أحكم حكماء الأرض، وقضى الفتى 40 يوماً بين دروب الصحراء حتى وصل إلى قلعة جميلة تقع على قمة جبل حيث كان يعيش الحكيم.غير أنه بدلاً من أن يجد الشخص الذي كان قد تخيله، دخل بطلنا إحدى الغرف فشاهد عدداً كبيراً من الناس يدخلون ويخرجون وآخرون يتحادثون في مختلف أرجاء الغرفة وفرقة صغيرة تعزف بعض الألحان، ومائدة كبيرة وضع عليها أشهى الطعام. وكان الحكيم يتحدث إلى الجميع، مما دفع بالشاب إلى الانتظار ساعتين حتى يصبح عليه الدور ليقابل هذا الشخص الذي قطع من أجله آلاف الأميال.بصبر وبقدر كبير من الإنصات استمع الحكيم لسبب زيارة الشاب، ثم قال له إنه ليس لديه الوقت الكافي ليشرح له سر السعادة، واقترح عليه أن يتجول في القصر ثم يأتي إليه بعد ساعتين، وقال له: لكن أريد أن أطلب منك شيئاً تفعله أثناء جولتك، فأعطاه ملعقة صغيرة ووضع فيها قليلاً من الزيت، وقال له: احمل هذه الملعقة معك أثناء جولتك ولا تدع الزيت يسقط منها.أخذ الشاب يصعد وينزل السلالم، ويتجول في القاعات والأروقة والحدائق، مركزاً بصره على الملعقة حتى لا يسقط منها الزيت، وبعد مرور الساعتين عاد إلى الحكيم الذي سأله: هل رأيت المنسوجات الفارسية الموجودة في غرفة الطعام؟ هل رأيت الحديقة التي احتاج المزارعون إلى 10 سنوات ليجعلوها على ما هي عليه الآن من جمال؟ هل لاحظت الوثائق القديمة الموجودة في مكتبتي؟ فظهرت علامات الحيرة على الشاب الذي أجاب أنه لم يشاهد أي شيء من هذا، إذ كان همه الوحيد المحافظة على الزيت الموجود في الملعقة كما طلب منه الحكيم. فقال له الحكيم: إذن عُد وشاهد عجائب عالمي، فأنت لا تستطيع الوثوق برجل لا تعرف منزله، فأخذ الشاب ملعقة الزيت وتجول ثانية في القصر، مركزاً اهتمامه هذه المرة على كل ما هو معروض وما يتدلى من أسقف وحوائط القصر، فشاهد الحدائق والجبال الموجودة حول القصر وجمال الزهور والذوق الذي صُنع به كل عمل فني في القصر، ثم عاد إلى الحكيم وقص عليه كل ما رآه، غير أن الحكيم سأله: لكن أين قطرات الزيت التي ائتمنتك عليها؟ فنظر الشاب إلى الملعقة وإذا بالزيت قد انسكب وضاع.فقال له الحكيم: حسناً... هذه هي النصيحة التي أمنحك إياها: إن سر السعادة هو أن تنظر إلى كل عجائب الدنيا من حولك وفي الوقت نفسه عليك ألا تنسى مطلقاً قطرات الزيت في الملعقة! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء