مع كل يوم يمر تتجه الأمور بين واشنطن وطهران نحو مزيد من الاستقطاب مجددا، ولكن هذه المرة في ظل موازين قوى هي بالتأكيد ليست لمصلحة إدارة الرئيس الأميركي أوباما إن لم تكن هي لمصلحة الرئيس الإيراني الراديكالي محمود أحمدي نجاد بكل تأكيد، ما يجعل واشنطن هي الطرف الأضعف تماما.
رغم كل الصراخ والتهويل والتهديد والوعيد الذي نسمعه من الجانب الأميركي في وجه طهران، فإنه، من جهة، لا يرى أي أفق لتفاهم على النووي بينهما، ولا تفاهمات متوقعة حول الملفات الساخنة التي تتقاطع فيها المصالح كالعراق وأفغانستان، كما كان متوقعا من قبل، ولا تسويات أساسية حول ملفات متضاربة فيها مصالح الجانبين أساسا كما هي الحال مع الملفين الفلسطيني واللبناني. فلم يعد أحد في مطبخ صناعة القرار الإيراني ينتظر خيرا من إدارة أوباما نحو إيران، وفي نفس الوقت لا أحد فيها يعتقد أن واشنطن بصدد التخطيط للحرب ضد طهران في المدى المنظور على الأقل بسبب عجزها الفاضح ووهن قواها، فالرسائل الخطية والشفهية وجهود «الوساطة» التي تقوم بها أكثر من جهة من أجل منع الاحتكاك بين العاصمتين المتنافرتين في الإقليم، كما في المسرح الدولي، لم تتوقف رغم ذلك أبدا! هذا المشهد الذي يظهر فيه الأميركيون متخبطين ومرتبكين أكثر من أي وقت مضى هو الذي يكاد يجعل الإيرانيين يتفقون من جديد على ألا أمل من واشنطن لإيجاد الحلول لأي نزاعات مزمنة في المنطقة، فضلا عن التقدم في مجال العلاقات الثنائية، ناهيك عن قناعتهم المتنامية بأن رجل «التغيير» المفترض بات في قبضة اللوبي الصهيوني، تماما كسلفه بوش، بعد أن كانوا قد انقسموا مع بداية توليه السلطة حول إمكان حصول تحول ما في السياسة الأميركية تجاه الإقليم على الأقل. حتى الرئيس الأسبق رفسنجاني بدا وكأن صبره أخذ ينفد، وهو الذي كانت مراهنته على تحول ما في الإدارة الأميركية، ومن ثم المجتمع الغربي، قد دفعته ليبقى على نفس المسافة الفاصلة بينه وبين الرئيس أحمدي نجاد على افتراض أنها ستعزز من مواقعه المعتدلة في المجتمع كما في الدولة الإيرانية بانتظار لحظة اقتناص الفرص، لكن الأمر مع رئيس السلطة التشريعية علي لاريجاني كان أسرع مما تصور الغربيون وأكثر تسارعا مما راهن عليه الأميركيون. أما الذين ربطت أميركا معهم شبكة اتصالات مباشرة أو غير مباشرة ممن كان يطلق عليهم بالإصلاحيين سابقا، وبات يطلق عليهم موجة الثورة الخضراء بعد فتنة انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة، فقد تمكنت أميركا بفضل غبائها وحماقة كبار مستشاري رجل التغيير أن تدفع بأعداد كبيرة منهم إلى اليأس، وأن تدفع بقادتهم ورموزهم الأساسيين إلى العزلة والحرج الشديد بعد أن انكشف الغطاء عن حقيقة ما تريده أميركا من حلفائها المفترضين في طهران. ففي آخر مقطع شهدناه من مسلسل اللعب على وتر التحولات الإيرانية الداخلية حسب الطلب الأميركي، وجد كل المعترضين على سياسات الرئيس أحمدي نجاد أنفسهم وكأنهم قد نزع عنهم الغطاء، وباتوا وحيدين أمام الجدار، وهم يسمعون أنصار العهد الشاهنشاهي البائد والذين لا يتجاوز عددهم العشرات يرفعون شعار: «لا موسوي ولا أحمدي فقط نظام البهلوي». فأن يأتي هذا الشعار النشاز في سياق جمهور الشعب الإيراني العريض كمطلب مروج له عبر إعلام قوى الدعم الخارجي للمعارضة الداخلية وبمناسبة يوم مقارعة الاستكبار العالمي، وبعد شعار مثل «الاستقلال والحرية والجمهورية الإيرانية» وهو شعار الثورة الشهير محذوفا منه مقولة «الإسلامية»، وقبل ذلك شعار «لا غزة ولا لبنان بالروح بالدم نفديك يا إيران» فإن ذلك كان بمنزلة قطع الحبل مع كل المراهنين عليها من أصحاب المراجعات من إصلاحيين أو معتدلين من داخل البيت الثوري والديني الإيراني. لا شيء إذن في الأفق يوحي بأن واشنطن قادرة على الفعل تجاه طهران لا إيجابا ولا سلبا، ما يعني أن ثمة تساكناً مفترضاً هو الذي سيحكم علاقة البلدين في الأشهر المقبلة. هذا التساكن المشوب بالحذر والريبة والشك سيكون الفضاء المناسب لنشوب صراعات بالوكالة، واحتمال وقوع حوادث تصادم إرادات هنا وهناك دون أن يتمكن أي من الطرفين على حسم خلافه مع الآخر في أي من الملفت الساخنة المعروفة والمختلف عليها في الإقليم العربي الإسلامي. في مثل هذه المعادلة المتأرجحة والمسكونة بتفاضل النقاط لمصلحة طهران قد يكون هو الوقت الأفضل لمن راهن على قدرات واشنطن في الحل والربط والحزم في أي من الملفات الإقليمية، ليقف إلى جانب دول الثلاثي الإقليمي المتنامي الحضور التي باتت تشكل طهران محوره الاستراتيجي، وكل من أنقرة ودمشق ذراعيه الضاربتين غربا وشرقا. وأما أبناء الداخل ممن ظن للحظة أن موازين القوى قد تحولت لمصلحة واشنطن عن قناعة تثبت خطأها اليوم، أو تغرير يود العودة عنه اليوم نقول: «إن الشاذ من الغنم للذئب» كما جاء على لسان الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأنه جاء اليوم لعودة اللحمة إلى الداخل الإيراني من خلال الالتفاف حول القيادة العليا الحازمة، بعد أن ثبت أن من لا جذور له لا ثمار له وأنه في مقابل ما تقوم به دول الغرب الطامعة في مخزون بلادنا الاستراتيجي والمصممة على عدم الخروج من سياسة الكيل بمكيالين فإن الكلام مرة أخرى هو أيضا للخليفة الرابع الإمام علي رضي الله عنه حيث يقول: «ردوا الحجر من حيث جاء ولا يرد الشر إلا الشر». *الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابق
مقالات
تساكن أميركي إيراني يمنع الحرب ولا يحقق السلام
23-11-2009