يروى في قصص الأمثال الشامية أن شخصاً لم يرزق بأولاد لسنوات عديدة، وكان يتمنى بلهفة أن يزرق بصبي، وبعد انتظار طويل حملت زوجته وأخذ الناس يتوافدون عليه للتهنئة، وكان من ضمن المهنئين شخص قال في تهنئته «مبروك، شوف كيف الله طعماك الصبي، وهي بدها صلوات على النبي»، فرد الزوج الذي كان يتلهف أن يرى الصبي الذي طالما حلم أن يرزق به وهو لا يصدق أن يصبح أبا إلا بعد أن يرى الصبي بين يديه «بس يجي الصبي نصلي على النبي». هذا المثل يضرب عندما يكون من الأفضل انتظار الوقت المناسب للحكم على الأشياء أو البت فيها.

Ad

يمكن القول إن هذا المثل ينطبق على التعجل في الحكم على الحكومة الجديدة والنهج الجديد الذي يقال إنها سوف تنتهجه في التصدي لأي استجواب يقدم لأي من أعضائها، بل حتى لو كان الاستجواب موجهاً إلى رئيس الحكومة نفسه. التجربة الأولى للحكومة الجديدة في التصدي بشجاعة وشفافية للاستجواب تبدو مشجعة، فبدلاً من المماطلة والتهديد بالاستقالة والذي كان ديدن الحكومات السابقة بادرت الحكومة بمواجهة الاستجواب بحسم، وقام وزير الداخلية بصعود المنصة، وواجه النائب مسلم البراك المعروف أنه ليس من السهل الوقوف أمامه في استجواب لما يملكه من خبرة في هذا المجال، وكذلك لما يمتلكه من قدرات كلامية.

على الرغم من أن كلام وزير الداخلية في الرد على المحور الأول الخاص باللوحات الانتخابية لم يكن مقنعاً، وحتى مع إحسان الظن فإن الوزير وقع في خطأ كبير في المضي في إجراءات توقيع العقد دون المرور بالقنوات القانونية والسعر الخيالي الذي صرف على «لوحات الحديد الذهبية»، وقد لا يلوم أحد أياً من النواب الذين سيطرحون الثقة بالوزير بسبب ذلك، ولكن من يحق له ذلك فقط هم أولئك الذين ليس لهم مواقف مسبقة من الوزير من قبل مجموعة نواب «الفرعيات».

على الرغم من ضعف ردود الوزير على المحور الأول ووضوح الخطأ فإن ما يحسب للوزير أنه واجه الاستجواب بشجاعة ولم يحتمِ بالحكومة لكي تنقذه بطرق ملتوية. هذا الموقف من وزير الداخلية يبعث الأمل أن يكون لدينا وزراء قادرون على الدفاع عن أنفسهم وقراراتهم، بدلاً من أن ترتعد فرائصهم وتصفر وجوههم عند سماع كلمة «استجواب».

وعلى الرغم من هذا النفس الإيجابي الجديد الذي بدأت به الحكومة علاقتها مع الوعيد بالاستجواب من قبل بعض النواب فإنه لا يمكن القفز إلى حكم نستعجل بالقول إنه أصبح لدينا حكومة تتحلى بالشجاعة وتدافع عن قراراتها بدلاً من البكاء والنحيب، واتهام بعض النواب بالتأزيم لأنهم يمارسون حقهم في الرقابة على أعمال الوزراء. هذا الاستجواب يثبت كذب مقولة إن الاستجواب يعطل «التنمية» ويشل حركة البلد لفترة طويلة. فها هو الاستجواب قد نوقش وغدا يتم التصويت على طرح الثقة– والمتوقع أن ينجو منه الوزير- وكل ذلك لم يستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع.

خلاصة القول إنه لا يمكن الحكم على الحكومة الجديدة من تجربة استجواب وزير الداخلية، لأن الحكومة عودتنا أن نَفَسها قصير وأن بيتها مثل بيت العنكبوت سرعان ما ينهار، ولذلك لن نفرط في التفاؤل حتى تثبت أنها حكومة «بحق وحقيق»، وكما أن المثل المذكور يقول «بس يجي الصبي نصلي على النبي»، فنحن بدورنا نقول «بس تثبت الحكومة أنها حكومة قرار سوف نرفع أصواتنا بالصلاة على النبي».

تعليق: ملاحظات كثيرة وعلامات استفهام كبيرة على آلية عمل الإدارة التنفيذية لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي سوف نعرض لبعضها في المقال القادم بإذن الله.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء