حديقة الانسان : اسمها غلطة!


نشر في 26-06-2009
آخر تحديث 26-06-2009 | 00:01
 أحمد مطر غير معلوم ماذا سيكون رأي أولئك المغامرين والمستكشفين الذين وطئت أقدامهم الأرض الجديدة، إذا علموا بغرابة تخليد أسمائهم اليوم. خذ مثلا «جيوفاني دافيرازانو» الذي انتهى في بطون أكلة لحوم البشر. هل كان سيعتبر نهايته تلك ثمنا معقولا لربط اسمه بالجسر المعلق بين بروكلين وجزيرة ستاتين؟!

هذا أمر مشكوك فيه، غير أن حشدا آخر من المستكشفين والبحارة لم يكونوا أوفر حظا من جيوفاني، فالمغامر «ديسوتو» ارتبطت شهرته باسم سيارة، بينما أطلق اسم «فرويشر» على خليج ثلجي معزول، أما «رالي» فقد ارتبط اسمه بمدينة في شمال كارولينا، وبماركة سجائر، وبنوع من الدراجات الهوائية، فيما خلد اسم «هيدسون» بإطلاقه على عدد من القنوات المائية، وسلسلة من المتاجر.

وبالمقارنة فقد خرج «كولومبوس» بحصيلة أوفر... فهناك عاصمتان باسمه، وجامعتان، وبلدة في جنوب أميركا، ومقاطعة في كندا، ومدارس لا تحصى، ضمن أشياء عديدة أخرى.

لكن من ناحية الشهرة العريضة، لا يبدو أن أحدا من كبار أوائل المستكشفين قد حظي ولو بعُشر ما حظي به شخص مغمور لا علاقة له بالاستكشاف إطلاقا هو رجل الأعمال الإيطالي «أميرغو فيسوبوتشي».

إن هذا الفلورنسي الذي انتقل إلى «سيفيل» ليعمل في تجارة إمدادات السفن (وكان كريستوفر كولومبوس من زبائنه) بدا وكأنه منذور لظلمة الإهمال والنسيان، لكن أن تسمى قارتان باسمه، فإن هذا الشرف غير العادي كان يتطلب نسبة غير عادية من المصادفات والأخطاء.

يذكر الباحث الأميركي «بيل برايسون» في كتابه الطريف «صنع في أميركا» أن فيسوبوتشي قد قام بثلاث أو أربع رحلات إلى العالم الجديد، لكنه كان يقطعها دائما كمسافر، أو بصفته المهنية المتواضعة كتاجر إمدادات، ولم يكن بأي حال من الأحوال بحارا أو مستكشفا.

كيف إذن كان له هذا الحظ العريض؟

بدأ الأمر في مدينة فلورنسا ما بين عامي 1504 و1505 حين تم الكشف عن رسائل لكاتب مجهول، جمعت تحت عنوان «العالم الجديد» وذكر فيها أن «فيسوبوتشي» لم يكن فقط قائدا لتلك الرحلات البحرية... بل إنه كان مكتشف العالم الجديد أيضا!

ولم يكن لهذه الغلطة المضحكة أن تذهب إلى أبعد من هذا الحد لولا أن معلما في كلية صغيرة بغرب فرنسا يدعى «مارتين والاسيموار» كان يعمل على تنقيح نسخة من خريطة الفلكي اليوناني الشهير «تولوميس» عندما قرر أن يجددها بخريطة أخرى للعالم.

وفي أثناء بحثه وقع على رسائل ذلك الفلورنسي المجهول... ولإعجابه بالمآثر المزعومة لفيسوبوتشي قرر أن يطلق اسمه على القارة الجديدة.

وكان الأمر على النحو التالي: في البداية قام بنقل اسم «أميرغو amerigo) اللاتينية (أميركوس americus) ثم نقله إلى الصيغة المؤنثة (أميركا america) على اعتبار أن آسيا وأوروبا مؤنثتان.

وبعد أربعين سنة من ذلك بدأ الناس يستعملون اسم «أميركا» للإشارة إلى العالم الجديد وكانوا في البداية يعنون بها القسم الجنوبي من العالم الجديد، لكنهم مع الأيام صاروا يطلقونها على الشمال والجنوب معا.

ويرى «برايسون» أنه إذا كان لفيسوبوتشي حق في الشهرة فلن يناله إلا باحتمال هامشي ضئيل، إذ يُظنّ- مجرد ظن- أنه شقيق «سيمونينا فيسوبوتشي» التي كانت موديلا لشخصية «فينوس» في اللوحة الشهيرة لبوتشللي!

في هذا السياق يمكننا أن نتذكر إشارة «بيل كلنتون» على المفاوضين الفلسطينيين من أجل حل مشكلة القدس، إذ قال لهم اختاروا أي بقعة في الضفة الغربية وأطلقوا اسم القدس عليها... نحن هنا فعلنا الشيء نفسه كثيرا خلال تاريخنا.

وغير معلوم ما إذا كان صاحبنا قد صدر عن مخيلة محتال أم عن اقتناع مؤمن. لكن المطلع على حكاية «أميرغو فيسوبوتشي» سيجد في نفسه قدرا كبيرا في روح الفكاهة ورحابة الصدر، ليميل إلى تصديق الاحتمال الثاني.

* شاعر عراقي

back to top