يجب أن يترافق رحيل الجنرال ستانلي ماكريستال من منصب قائد البعثة الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان مع مراجعة مفهوم الاستراتيجية العسكرية الفاشلة. في الوقت نفسه، يجب أن يُظهر المسؤولون العاملون مع الرئيس باراك أوباما وحدةً أكبر في التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة وفي تطوير مقاربتها. يأتي تعيين الجنرال ديفيد بترايوس في لحظة حرجة، في وقت تؤثر فيه الأزمة في أفغانستان في قدرة الغرب على إصدار موقف موحّد وشامل بشأن السياسة الخارجية.
سادت بلبلة كبرى بسبب أسلوب الرئيس حميد كرزاي غير المتوقع والذي يخدم مصلحته الشخصية، ولا سيّما نظراً إلى الانتخابات الرئاسية المزوّرة في السنة الماضية والفساد وسوء الحكم الذي يُتَّهم به كرزاي في معظم المناسبات. ما ليس واضحاً حتى الآن هو طبيعة الخلل في فريق أوباما، فمنذ أن عُّين أعضاء الفريق، واجه كبار المسؤولين الذين يرسمون السياسة الأميركية في المنطقة خلافات عدة. فشل البيت الأبيض باستشارة ريتشارد هولبروك، الممثل الخاص لوزارة الخارجية في المنطقة. في كابول، كان الجنرال ماكريستال والجنرال المتقاعد كارل آيكنبيري، السفير الأميركي، يتبادلان الحديث في فترة معينة بصعوبة. على صعيد آخر، واجه الجنرال آيكنبيري وآن باترسون، السفيرة الأميركية في باكستان، خلافات حادة مع هولبروك.في البنتاغون، وقعت خلافات حادة بين الجنرالات بشأن السياسة المعتمدة مع القادة المدنيين في أفغانستان وباكستان، وكانت المشكلة الضمنية الحقيقية تكمن في تردد الجنرالات بقبول الجدول الزمني الذي حدده أوباما، أي بدء الانسحاب الأميركي من أفغانستان في يوليو 2011، حيث قال لي ضابط عسكري أميركي: "لا يمكن محاربة التمرّد بحسب جدول زمني محدد".إنّ الاختلافات الضمنية معروفة بالنسبة إلى القادة الأفغان والباكستانيين الذين حاولوا استغلالها، كذلك، يدرك المسؤولون في حلف شمال الأطلسي تلك الاختلافات وهم يتساءلون عن السبب الذي منع أوباما من حلّها في مرحلة أبكر، فدفعت الحاجة إلى إنهاء هذا الوضع المضطرب أوباما إلى اعتبار عملية الطرد، يوم الأربعاء، بمنزلة وضع تجريبي لفرض سيطرة القيادة المدنية على الجيش. وجّه أوباما رسائل قاسية تستهدف من جهة الجيش لحثّه على الخضوع بشكل كامل للسلطة المدنية، ومن جهة أخرى الدبلوماسيين والمسؤولين التابعين لإدارته لحثّهم على إنهاء الخلافات في صفوفهم.تعود بعض هذه الخلافات إلى الخصومة التي نشأت بين مساعدي أوباما ومساعدي خصمه، هيلاري كلينتون التي أصبحت اليوم وزيرة خارجية، عند تسمية المرشح الديمقراطي في الانتخابات الأميركية في عام 2008. أدى تراجع السيطرة على الوضع إلى إحباط حلفاء الولايات المتحدة الذين يواجهون ما يكفي من الأوقات العصيبة للحفاظ على تأييد جمهورهم.لكن تكمن الأزمة الحقيقية في أنّ الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لا تكاد تحقق شيئاً ملموساً في وجه المقاومة المتمثّلة بحركة طالبان التي بدأت تنتشر في أنحاء البلاد. بدأت عملية حلف شمال الأطلسي في المرجة، في هلمند، منذ خمسة أشهر ولم تتمكن بعد من إرساء الأمن في المنطقة. وتمّ تأجيل عملية زيادة عدد القوات العسكرية لتأمين مقاطعة قندهار بسبب اختراق طالبان للمنطقة. قُتل 79 جندياً من قوات حلف شمال الأطلسي في يونيو حتى الآن، وهو أعلى عدد يُسجّل في شهر واحد منذ بدء الحرب. يريد كرزاي التحاور مع طالبان لا محاربتها، كذلك، يحاول الأوروبيون حثّ الأميركيين على بدء المفاوضات، بهدف إيجاد حلّ سياسي قبل بدء الانسحاب، لكن يصر مساعدو أوباما على ضرورة توجيه ضربة عسكرية إلى طالبان قبل الإقدام على أي خطوة أخرى. قد لا يكون ذلك ممكناً، لذا أصبح وضع استراتيجية سياسية فورية من الأولويات. أعلنت قيادة طالبان أنّها تريد التحاور مع الأميركيين. كذلك، يرغب عدد كبير من الأفغان في مشاركة واشنطن في المحادثات لتتحوّل الولايات المتحدة إلى منقذة الموقف مع الحرص على ألا يقدّم كرزاي تنازلات كثيرة، وأن تُمنع الدول المجاورة مثل باكستان من فرض شروطها على كابول.يجب أن ترضخ الاستراتيجية العسكرية لهذه العملية السياسية الجديدة، وبدل التوجه نحو ساحات القتل الخطيرة أولاً- في قندهار وهلمند- يجب أن تركّز قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على تحقيق أهداف أكثر واقعية مثل تطوير نظام الحكم والتنمية الاقتصادية.تقضي الخطوة الأساسية الأولى بتأمين الطرقات التي تربط بين المدن الكبرى وتلك التي تربط المدن بالحدود. حتى الطريق السريع والخطير بين كابول وقندهار تكثر عليه الحواجز التي تديرها الشرطة الفاسدة والعصابات المجرمة وأسياد الحرب وجماعات تابعة لطالبان، ما يجعل التنقل عملية غير آمنة بالنسبة إلى الأفغان. سيساهم تمشيط الطرقات الأساسية في توفير الأمن التجاري، ما يعطي دفعة اقتصادية ويخفّض مستوى الفساد.بعد ذلك، يجب تمشيط المقاطعات المحيطة بكابول من عناصر طالبان لتتمكن وكالات الإغاثة من العمل بحريّة، وعندها يمكن استعمال الموارد الأميركية لتوسيع نطاق التنمية الاقتصادية والزراعية.ليس عدد عناصر طالبان كبيراً في هذه المقاطعات لكنهم يثيرون الرعب في نفوس الشعب الذي يؤيّد في معظمه الحكومة. فضلاً عن ذلك، يمكن الاستفادة بشكل أفضل من الجيش الأفغاني والشرطة الأفغانية اللذين يبقيان ضعيفين لتوفير الأمن في تلك المناطق، لأنّ عدداً كبيراً من عناصرها ينحدر من المقاطعات نفسها. عندها يمكن تكرار العملية نفسها في المقاطعات الشرقية وفي الشمال، وفي هذه المناطق، تبقى نسبة مؤيّدي الحكومة أعلى من نسبة التأييد في الجنوب، حيث بقيت حركة طالبان في منأى عن الخطر منذ عام 2002.في الجنوب، يجب أن تنفّذ قوات حلف شمال الأطلسي عملية الردع لمنع طالبان من التوسع، وبالتالي القضاء على قيادتها، وعرقلة طرق إمداداتها من باكستان، ومحاولة عزلها عن السكان المحليين.لا شكّ أنّ استراتيجية مكافحة التمرد التي وضعها الجنرال ماكريستال حققت بعض النتائج الإيجابية مثل تخفيض عدد الضحايا وكسب العقول والقلوب، لكن ستساهم على الأرجح أي استراتيجية عسكرية ترتكز على الحوار السياسي وتحدد أهدافاً أسهل في البداية، في كسب دعم الأفغان والدول الإقليمية وفي تمكين القوات الغربية من البقاء لفترة أطول إذا دعت الحاجة. أما الخيار البديل، فلن يقود إلا إلى فوضى عارمة.* صحافي باكستاني، مؤلف كتاب "طالبان" تم تجديد كتابه، وإعادة إصداره في الذكرى العاشرة لنشره.
مقالات
حان الوقت لإعادة النظر في استراتيجية الغرب في أفغانستان
29-06-2010