رغم الحشد الهائل لكل أسلحة إمبراطورية «عاجل» الإخبارية الموجهة ضد ولاية الفقيه وذاك الرجل من جنس الناس المناكف للباشوات، نجح الرجل القوي في طهران آية الله علي خامنئي في كسب الرهان ضد كل أولئك الذين قالوا إن الناس قد جمعوا له!

Ad

وبحشده لما يقارب الأربعين مليوناً من أبناء بلده ليدلوا بأصواتهم في لعبة هي أصلاً من صناعة «النبلاء»، يكون الرجل قد هزم الجمع في لعبة لطالما برهنوا على أنهم بها يتشدقون وعلى حساب جمهور «البؤساء» بموازين القوى الدولية يتحكمون!

تبدو عليهم الكآبة مترافقة مع الحسرة في هذه الأيام، وهم يتابعون تطورات الأحداث من طهران بعد أن ضيَّعوا فرصة العمر التي ظنوا أن ثورة «التويتر» أو الثورة الرقمية أو المخملية أو الملونة، بقادرة على أن تجلب لهم ما لم يقدروا عليه بخيار الحرب!

وها قد سقطت الأقنعة وانكشف الغطاء، وتم إرسال الإشارة الشفافة والواضحة التي لا لبس فيها: «بإمكانكم أن تضربوا إيران إن استطعتم، وإن كنتم على تحمل نتائج فعلتكم قادرين»!

فهذه هي فحوى الرسائل الأميركية المتضاربة التي خرجت في الساعات المنصرمة عن قادة واشنطن، من جو بايدن إلى قائد هيئة أركان الجيوش الأميركية، إلى باراك أوباما الذي فقد خطوط الاتصال التي يفترض أنه كان يتتبعها، وهو ينتظر رد القيادة الإيرانية العليا في الصيف، كما نقلت «نيويورك تايمز» على لسانه!

وعلى الرغم من عبور الغواصة «الدولفين» الإسرائيلية النووية لقناة السويس العربية باتجاه إيلات والبحر الأحمر، والتقارير المسربة عن فتح بعض الأجواء العربية لتسهيل أي ضربة جوية لإيران، فإن نتنياهو عاجزـ بل هو أوهن من بيت العنكبوت حتى في دعم حلفائه في المجتمع الدولي الموهوم في معركة «الكباش» الدبلوماسي والمخابراتي- أمام إصرار القيادة الإيرانية واعتزامها الرد بحزم على تدخلاتهم في الحدث الإيراني الانتخابي، فكيف به وهو مطالب اليوم بحزم أمره مع إيران نووية بامتياز!

ورغم ضياع خطوط الاتصال على الرجل وانعدام الرؤية لديه حول ما يحصل بالضبط في إيران، كما توحي مسلكياته وتصريحاته، فإن الرجل لايزال «مصمماً على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع العاصمة الإيرانية بعد أن عرضنا عليها طريق الانضمام إلى المجموعة الدولية...»، كما جاء على لسان رجل التغيير الأميركي المنشود قبل توجهه إلى العاصمة الروسية موسكو، متوسلاً إليها فك ألغاز دبلوماسية حياكة السجاد الإيرانية! صحيح أنه سرعان ما أعاد تكرار عبارة سلفه الشهيرة، بأن إيران لاتزال تشكل خطراً، وأن الدرع الصاروخية إنما هي موجهة ضد إيران قبل أن تكون موجهة ضد روسيا، لكن لاعب الروليت الروسي لابد أنه سيفاجئه بحركة انسيابية متجانسة لكراته قد تجعله يعيد قراءة المشهد الدولي كله من جديد.

لا «الإسلاموفوبيا» ولا «إيران فوبيا» نفعتهم في فصل سورية عن إيران، والأيام القليلة القادمة ستزيد من خيبتهم عندما يكتشفون أن إغراءات الدنيا كلها، وليس الجولان مكبلة بشروط هيمنتهم، أو إملاءاتهم الدولية، بقادرة على فك سورية عن إيران أو «حزب الله»، فضلاً عن أن لعبتهم الإقليمية من حول لبنان وفلسطين باسم السلام المزيف، ستكون أكثر عجزاً من إقناع أحد في العالمين العربي والإسلامي على التطبيع مع دويلة صُنعت ورُكبت ليكون مآلها التفكيك وأن تحمل بذور فنائها في داخلها، كما يقول أبراهام بورغ رئيس الكنيست الإسرائيلي الأسبق!

لا تطبيع قادماً... ولا توطين واقعاً... ولا «تغيير» متوقعاً، مهما جمعوا جمعهم ضدنا، والسبب بسيط للغاية ذلك أن الأمة باتت راشدة بما فيه الكفاية، مهما خرج على إجماعها بعض من نخب، هم نقطة في بحر ناس يكرهون الظلم ويتوقون إلى العدالة، ولا يركعون لغير الله.

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك أنهم قبائل متفرقة تعيش عصر التيه وضياع العلامات وانعدام تفقههم بعلم الإناسة والرجال لدينا، وتظنهم مقبلين على حرب، وهم أحرص الناس على التعايش معك حتى وأنت في أوج «راديكاليتك» وتشددك الذي باسمه يروِّعون مَن يروَّعون لأنهم في الباطن لا يحترمون إلا القوي، ومنك بالذات، ولأنك كذلك يخافون! فكل ما يجري في المنطقة من فلسطين إلى لبنان إلى العراق إلى أفغانستان إلى باكستان، إلى نشاطهم الأخير في إيران، إنما يدور حول محور واحد، ألا وهو أن أعطونا ولو وعداً شفهياً بالتطبيع والإقلاع عن إرادة التحرير والتحرر، حتى نقدم إليكم ما تشاؤون من رزم ومحفزات وجزرات!

لكن أي متتبع فطن يعمل بعقل مركب، يستطيع اليوم أن يستنتج، رغم كل الضجة والضوضاء العالية، أنهم يعيشون التيه رغم مظاهر القوة والتقدم في بعض مخططاتهم، بينما نحن أشرعتنا ترفرف صامدة رغم الرياح العاصفة المحيطة بنا من كل جانب!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني