إن عدم إفراد قانون مستقل لهيئة أسواق المال، وتضمين مشروع القانون المعروض حالياً على مجلس الأمة كلَّ ما يتعلق بنشاط تداول الأوراق المالية من تنظيم لهذا التداول إلى نظام لإنشاء البورصات إلى تنظيم لعمل المقاصة ونحو ذلك، لا يضفي على هذه الهيئة الأهميةَ التي تستحقها ولا يمنحها المكانةَ التي تليق بها، كما أشرت إلى ذلك في رأي سابق. وأنا على ثقة بأن مَن يقرأ مسودة مشروع هذا القانون الذي يتكون من ثلاثة عشر فصلاً احتوتها نحو 50 صفحة مطبوعة اشتملت على 165 مادة يتجزأ العديد منها إلى أفرع ونقاط، لابد أن يصاب بعسر هضم.
الهيئة في وادٍ والتعديلات في آخروهذا ما جعل عدداً من التعديلات سواء تلك التي اقترحتها جهات متخصصة أو بعض من ممثلي الأمة تبتعد عن جوهر اختصاصات ووظائف الهيئة وتركز على تنظيم البورصة أو عمل المقاصة أو كفاءة عمليات التداول، ولنأخذ مثالاً على ذلك التعديل الذي تقدم به النائب أحمد السعدون على المادة (34) من مشروع القانون، والذي ركَّز فيه على عملية تنظيم ترخيص إنشاء البورصة إذ دعا إلى عدم منح ترخيص بورصة إلا لشركة مساهمة يوزع رأسمالها مناصفة بين الشركات المدرجة أو الشركات التي يوافق مجلس الوزراء على مشاركتها بنظام المزايدة العلنية، وبين المواطنين بنظام الاكتتاب العام الذي تدفع الدولة قيمتَه ثم يقوم المواطنون خلال سنة من ذلك بسداد قيمة ما خُصّص لهم من الأسهم. والجوهري في هذا التعديل هو استبعاد حصة الدولة من رأس المال. وهذا أمر يتصل برمته بآلية تنظيم الأسواق لا بهيئة أسواق المال.ولا شك أن قانون هيئة أسواق المال الذي ينظم اختصاصات هذه الهيئة ويحكم عملها بوصفها هيئة رقابية وتنظيمية ذات سمة «قضائية» ينبغي أن يحظى بنصوص ومواد واضحة الصياغة وقطعية المعنى أي لا تحتمل التباين في التفسير أو التأويل، من أجل ضمان أن تكون الهيئة صمامَ الأمان الذي يضبط حركة الأسواق والتداول وينظم إيقاعاتها. ولاشك في أن عدداً من وظائف هذه الهيئة الواردة في المادة (4) ليس واضحا أو قطعياً، فليس من المستساغ القول في معرض حماية المتعاملين في الأسواق إن من مهام الهيئة «العمل على الحد من الممارسات غير الملائمة وغير القانونية وغير العادلة في نشاط الأوراق المالية»، وإنما الأجدر في هذا الشأن هو النص على أن من مهام الهيئة «حظر» هذه الممارسات كلياً، وتجريمها، وتعقبها.سلطة الهيئةكما يتطلب الأمر النص بوضوح على دور الهيئة المحوري بل سلطتها في سنِّ التشريعات التي تحقق عملية ضبط نشاط التداول وضبط إيقاع حركة أسواق المال. كما يتطلب كذلك النص على دورها في الإشراف على التزام الأسواق بتطبيق معايير الكفاءة والشفافية والحوكمة وضمان التزام الشركات المدرجة بهذه المعايير، وكذلك التأكيد في وظائفها، وليس ضمن الاختصاصات المبعثرة في فصول مشروع القانون المتعددة والمتشعبة، على دورها في توفير الحماية القصوى للمتداولين والمستثمرين وضمان حقوق الأقليات. كما لا يبدو حرياً النص في معرض تطبيق القوانين واللوائح على أن تستهدف الهيئة «العمل على ضمان الالتزام» بهذه القوانين واللوائح، لأن «ضمان هذا الالتزام، وتطبيق القوانين واللوائح» هو من صميم واجبات الهيئة بل والمبرر الرئيس لوجودها.محكمة سوق المالونظراً إلى أهمية هذه الهيئة التي تقوم من أسواق المال مقام البنك المركزي من البنوك التجارية، كان ينبغي أن يكون لجهازها المفوض الحق في اقتراح العديد من الأحكام التنظيمية والجزائية بدلاً من الأحكام والإجراءات التي تضمنتها فصول مشروع القانون بدءاً من الفصل الثالث حتى الفصل الحادي عشر، حيث كان ممكنا تحديد المعايير والحدود والآليات المتعلقة بموضوعات هذه الأحكام في القانون على أن تُترك صياغتها وتحديد تفاصيلها للهيئة بعد قيامها، وينطبق ذلك على تفاصيل الأحكام المتعلقة بآليات عمل محكمة سوق المال.
مقالات
وجهة نظر : سلطة هيئة أسواق المال وهيبتها!
08-11-2009