في شارع التحويلات تكتشف أن الناس تسيطر عليهم روح أنانية مرعبة؛ الكل يريد منك أن تتحرك بسرعة، وشيئا فشيئا تجد نفسك قد ارتكبت سلسلة لا نهائية من المخالفات المرورية تحت تأثير أبواق السيارات خلفك.
لو ساقتك الأقدار إلى شارع تحت الصيانة الأبدية (وما أكثرها) فستجد نفسك مجبرا على السير بين الحواجز الكونكريتية المصبوغة بالأحمر والأبيض فتتخذ رغما عن أنفك مسارا شديد التعرج، لاشك أنك سوف تلعن اللحظة التي قررت فيها أن تسلك هذا الشارع، ولكن قد لا يكون الأمر سيئا إلى هذه الدرجة؛ فحتى لو احترق الوقت وتبخرت المواعيد التي كنت تنوي اللحاق بها بسبب هذه المسيرة المتعرجة البطيئة فإن لعبة (التحويلات) هذه سوف تقدم لك مجموعة من الدروس والعبر التي لم تكن تخطر لك على بال. في البداية سوف تبحث عن مهرب سريع، ولكن أين المفر؟! تتسلل إليك فكرة متهورة بقيادة السيارة إلى الخلف حتى تصل إلى النقطة التي دخلت منها: (يا لها من فكرة رجعية!)، لاتجد وسيلة للخروج من هذا المأزق سوى التوغل فيه! تنضم إلى قطيع السيارات التي تتلوى داخل التحويلات مثل ثعابين مدربة، تنتقد ذاتك بقسوة لأنك المتذمر الوحيد بين هؤلاء السائقين الذين يعبرون الطريق المتعرج باستسلام: (من الذي أقنعك بأنك أفضل منهم؟!). تحاول إضاعة الوقت بالاستماع إلى جهاز التسجيل؛ ولكنك بعد أقل من نصف دقيقة تجد أن مزاجك ليس رائقاً، كما أن الموسيقى سوف تزيد (اللخبطة)... ألا يكفي أن ذراعيك تدوران حول العجلة، وسيارتك تدور حول السيارات، والجميع يدور ويدور في مدينة الملاهي الإجبارية؟! تضغط على الزر فيتوقف قرص الموسيقى عن الدوران، ينطلق صوت المذياع بشكل تلقائي، تحاول الاستماع إلى نشرة الأخبار فيزداد الأمر تعقيداً: (المزيد من اللف والدوران!). تقرر أن تكون مواطنا إيجابيا وتقول لنفسك: «لمَ التذمر والتأفف الذي لن يجدي نفعاً؟»... لقد أحسنوا صنعا بإصلاح هذا الطريق، غدا أو بعد شهرين على الأكثر ستصبح هذه التحويلات اللعينة جسراً هنا أو مخرجا هناك وسيرتاح الجميع إلى الأبد، (ما المشكلة لو تبهدلت يوما أو يومين ثم ارتحت وارتاح كل من يستخدمون هذا الشارع لثلاثين عاما قادمة؟!)، ولكن صوتا مشاغبا يتسلل إلى عقلك من بعيد وهو يلقي بالسؤال المر: «لماذا لم يقوموا بعملهم كاملا منذ البداية؟!» تحاول قمع هذا الصوت الصغير وتصنفه بأنه مقدمة لجدل بيزنطي ومؤامرة ذهنية لإضاعة الوقت (الضائع أصلا)، تقرر الابتعاد عن هذه الأفكار المدببة التي من شأنها تدمير الشخصية الإيجابية التي تسعى إلى تقمصها كلما وجدت نفسك في منتصف التحويلة! تكتشف أن الناس في شارع التحويلات تسيطر عليهم روح أنانية مرعبة؛ الكل يريد منك أن تتحرك بسرعة، وشيئا فشيئا تجد نفسك قد ارتكبت سلسلة لا نهائية من المخالفات المرورية تحت تأثير أبواق السيارات خلفك، فجأة... تمر بجوارك دورية المرور فتربط حزام الأمان وتدعو الله ألا تكون هذه الدورية قد رصدت حفلة المخالفات التي قمت بإحيائها منذ قليل. بعد أقل من دقيقة تجد أن قائد الدورية نفسه متورط في تحويلات هذا الشارع وليس (متفرغاً) لك... فكل من في هذا الشارع يلف ويدور! * كاتب سعودي كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
تحويلات وحواجز... الوطن والمستقبل!
27-12-2009