لله دره، الموجه العام للتربية الإسلامية السابق، د. حمود الحطاب، ذلك التربوي الشجاع الجريء ذو الباع الطويل والتجربة الغزيرة، الذي بدأ في انتقاد المناهج منذ 1976 ولا يزال يوجه سهامَه النقدية بعد تقاعده من خلال مقالاته وكتاباته... فأثار سخطاً في الوسط التربوي الخاضع الخانع الذي لا يتحمل النقد... ووصف تسييس التعليم وتولي التيارات السياسية للقيادة التربوية بـ»خراب مالطا»... وأكد أن الإخوان المسلمين استغلوا سيطرتهم على وزارة التربية فترة طويلة «لخدمة هذا التيار السياسي الذي اختلطت السياسة في دمه أكثر من الدين» فجعلوا إدارتها «بيد هذا التيار غير التربوي الذي كان تياراً تعصبياً سياسياً احتكارياً»، الأمر الذي أدى إلى غرس «المفاهيم السلبية الخطيرة في ذهنية الطالب» نتيجة بعض الاختلالات (حسب بحث د. الحطاب) التي تُدرس في تلك المناهج «كالترهيب، والتناقض، والتكرار». فمن واقع التجربة يرى د. الحطاب أن بعض قياديي «التربية» الذين حسب وصفه «تخشبوا على مدى سنوات طويلة» واستنزفوا أموال الوزارة غير مؤهلين للعمل التربوي وهم سبب تعطيله وجموده.

Ad

انتقد د. الحطاب الموجه العام للتربية الإسلامية السابق سيطرة التوجه الواحد الذي فرض رؤاه على الجميع وعزل دور مؤسسات المجتمع المدني في صياغة المناهج، وهو أمر منافٍ للقيم الديمقراطية التي يدعو إليها الدستور ونظام الدولة، فالديمقراطية لا تعني كما يعتقد البعض حكم الأغلبية فحسب، ولكن أيضاً احترام الأقلية والتعددية. فمحنة التعليم كما يشخصها د. الحطاب مراراً وتكراراً تكمن في غياب «النظرية التربوية» لتحل محلها سياسات التخبط والعشوائية والارتجال... تلك السياسات البدائية البعيدة كل البعد عن الفلسفة الحديثة لجون ديوي، ذلك الفيلسوف الذي أحدث ثورة في فلسفة التربية، فنقض الأسلوب القديم للتلقين والحفظ والتسميع ونادى بـ»ديمقراطية التعليم» التي تعتبر نواة المجتمع الديمقراطي... فبالتعليم الديمقراطي نخلق شخصيات ديمقراطية تحترم الرأي الآخر وتقدر الحرية الفردية وكرامة الإنسان، وبالتالي تترسخ الديمقراطية في المجتمع وتصبح أسلوب حياة... فبعد أن كان المعلم أساس النظام التربوي جعلت فلسفة ديوي الطالب محور التعليم في بيئة ديمقراطية مفتوحة، يتعلم من خلالها بالإقناع العقلي والتجربة والحوار وطرح الأسئلة عوضاً عن الفرض والوعظ وحفظ الأجوبة الجاهزة المعلبة... فتعليم طرائق التفكير الحر وكسب المهارات من أجل حل واقع المشكلات أجدى وأبقى من حشو وتكديس المعلومات التي تُنسى وتُهمل إذا ما انتهت الامتحانات... فالثورة المعرفية وتنمية القدرات الشخصية لم تتحققا في الغرب إلا بسبب البيئة التربوية الديمقراطية التي استأصلت الفكر الظلامي التكفيري وروح الكراهية والتعصب وأحلت محلهما ثقافة حقوق الإنسان والتعددية الثقافية.

إن المدير الإداري الفاشل هو المدير الذي يقمع حرية التعبير ويتخذ من التسلط وسيلة لتثبيت «الثوابت» أو «النظام العام»، ذلك الأسلوب الذي عفا عليه الزمن وتكدس حوله الغبار لن يستطيع أن يخلق سلوكاً إيجابياً أو بديلاً... ولا عجب إذن أن يطل علينا رأس الطائفية بين كل فترة ليحتدم التطاحن بين الإسلام السياسي السني والشيعي حول المناهج التربوية التي يصفها د. الحطاب «بالمعوجة وغير التربوية». ولا غرابة أن ينتج النظام التعليمي المستبد مجتمعاً مستبداً لا يقبل حرية التعبير، ولا أدل من حبس الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم بسبب رأيه، واتخاذ «وزارة العدل» قرار إيقاف الكاتب محمد العوضي، رئيس قسم المؤتمرات والندوات، عن العمل وخصم نصف راتبه لثلاثة أشهر بدون أن يتم التحقيق معه بسبب مقالته.

لماذا العجب؟