في القناة الفضائية المحلية ذات الاستديو الواحد، التي تعتبر أكبر منتج في العالم للثرثرة، ظهر البرنامج الحواري اليومي «زحمة والشارع فاضي» برعاية شركة «بنادول», كان ضيف حلقة اليوم الناشط السياسي والباحث الاجتماعي والخبير الاقتصادي المعروف «أبو الكلام المهذار»، وقبل أن يكمل المذيع سؤاله الأول حول حراك الشارع السياسي انطلق الضيف متحدثا دون توقف: لو تابعنا بدقة حركة الشارع المحلي لاكتشفنا أن سيارات «التاكسي» تتحرك في ثلاثة مسارات معروفة هي: اليمين والوسط واليسار، وهذه القراءة الأولية تقدم لنا ثلاث ملاحظات أساسية تكشف عن طبيعة التجاذبات داخل الشارع السياسي.

Ad

الملاحظة الأولى هي أن «التاكسي» الذي يتحرك بسرعات غير ثابتة في المسار الأيمن ويحاول سائقه أن يبني حواراً دائما مع سكان الرصيف من خلال إطلاق الأبواق المتقطعة يعاني ضغوطاً اقتصادية مرحلية لأنه لا يحمل ركابا، ما يضطره لمحاذاة الرصيف ومراقبة المارة حتى يتمكن من العودة إلى نشاطه الطبيعي خارج هذا المسار.

والملاحظة الثانية أن «التاكسي» الذي يسير في المسار الأوسط غير متأكد من العنوان الذي يريد هذا الراكب الوصول إليه؛ لذلك يتخذ كل الاحتياطات الممكنة تحسبا لأي طلب مفاجئ من قبل الراكب بأن يتجه ذات اليمين أو ذات الشمال، وبقاء هذا «التاكسي» في المسار الأوسط لا يعني على الإطلاق أنه لم يحدد موقفه من الشارع، ولكنه بسبب نقص المعلومات المتوافرة لديه وصعوبة الاتصال بالآخر يضطر للبقاء على مسافة قريبة من جميع المسارات، أي أنه باختصار في وضع اقتصادي جيد، ولكنه لا يملك خطة واضحة أو هدفا محددا لمسيرته المرتبكة.

أما الملاحظة الثالثة فهي أن «التاكسي» الذي يسير بسرعة البرق في المسار الأيسر قد حسم وضعه، وحدد شكل تعامله مع الشارع، فهو هنا يعتمد على مسألتين رئيستين: الأولى هي الأمان الاقتصادي باعتبار أن الراكب يجلس إلى جوار السائق، وبالتالي فإن الأجرة مضمونة.

أما المسألة الثانية فهي تتلخص في خزانة المعلومات المتوافرة لديه بعد أن طلب منه الراكب الذهاب إلى مكان واضح يعرفه جيدا.

وهنا لا يمكن إنكار حقيقة مهمة تتمثل في وجود بعض «التاكسيات» التي تخرج عن جميع المسارات الثلاثة المتعارف عليها مروريا، كأن يتسلق «التاكسي» الرصيف أو يسير فوق الخطوط الأرضية البيضاء التي تفصل بين المسارات، ولكن هذه الحالات غير قانونية وخارجة عن المألوف، ويجب على المحلل المنصف أن يتعامل مع كل حالة على حدة وفقا للظروف الموضوعية التي دفعت صاحب «التاكسي» للقيام بهذا السلوك الخطير.

وبرغم التشعبات الكثيرة لهذا الموضوع الحيوي والاستراتيجي في الشارع المحلي، والتي قد لا يساعدنا الوقت في سبر أغوارها، إلا أن الملف الذي لا يمكن تجاهله في هذه المرحلة أن سائقي «التاكسي» ينقسمون إلى ثلاث جنسيات رئيسة هي: الآسيويون الذين يقدمون للراكب رحلة مثيرة خلال فترة قصيرة زمنيا، حيث يمكن له أن يتعرف- خلال أقل من ربع ساعة- على الخيط الرفيع الذي يفصل بين الحياة والموت، والعرب الذين سيشرحون لك طوال المشوار أن هذه المهنة لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، ثم يسألونك ما إذا كنت تعرف «واسطة» في المرور لإسقاط المخالفات التي عليهم، والمواطنون الذين لا ينبسون ببنت شفة طوال المشوار، ولا يقبلون من الراكب أي اقتراحات باتخاذ طريق مختصر.

في هذه اللحظة تدخل المذيع متوسلا الناشط السياسي إكمال الإجابة بعد الفاصل الإعلاني... «إكسترا بنادول– الخيار الأمثل للمشاهدين».

* كاتب سعودي