هكذا بالطبع تستقيم الأمور، فإنزال عسكري على سفن بها أناس عزل في عرض البحر، والاعتداء عليهم، وقتلهم وجرحهم والتنكيل بهم لابد أن يكون دفاعاً عن النفس، وإلا فكيف يمكن تبرير العدوان الإسرائيلي المخالف لكل المعايير الدولية ومبادئ القانون الدولي الإنساني إلا بالادعاء والتبجُّح بأنه لم يكن إلا دفاعاً عن النفس؟

Ad

منطق تحويل الجلاد إلى ضحية عاينّاه وخبرناه وعايشناه بالصوت والصورة إبان حقبة احتلال صدام وزمرته الفاشية للكويت، وكيف ظل يردد أن ذلك الاحتلال لم يكن إلا دفاعاً عن النفس، وردَّدت وراءه جماهير عريضة، وخرجت في الشوارع تحتج على العدوان الذي كان سيحدث على العراق، بالطبع كونه قد اختطفت رهينة اسمها الكويت كان مسألة تفاصيل. وهكذا تحول الجلاد إلى ضحية.

ذات المنطق كان السائد عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية جزيرة غرانادا إبان ولاية الرئيس رونالد ريغان، وخرج الرئيس ريغان حينها ليستقبل الطلبة الأميركان الذين تم "تحريرهم" من قبضة الرئيس الغرانادي المنتخب، فتحوَّل الجلاد إلى ضحية، والأمثلة على ذلك كثيرة من العراق إلى أفغانستان وغزة.

واضح إذن أن القوة المجردة والماحقة تحتاج إلى رتوش أخلاقية لكي تصبح مقبولة، ولكي تستطيع تبرير وجودها في منظومةٍ دولية من المفترض أن يحكمها قانون دولي وأعراف إنسانية.

وعلى أية حال فإن منطق القوة المجردة لا يمكن أن ينجح في إطار منظمة دولية متكاملة، بل إن ذلك المنطق بذاته هو الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، وإنه لن يتم القضاء على أصحاب نظرية القوة الماحقة إلا بتكاتف وتضافر الجهود بين القوى الإنسانية في العالم وبين القوى الحية العربية والإسلامية، شريطة أن يدرك الجميع أن كرامة الإنسان وحريته هما ذات الكرامة والحرية مهما كان دين ذاك الإنسان أو رأيه أو لونه أو عرقه أو منصبه أو أصله.

هل أدركنا الآن لماذا اتفقت الدول العربية مع إسرائيل مع الولايات المتحدة على رفض الانضمام إلى اتفاق روما للمحكمة الجنائية الدولية؟