سجل برنامج أمير الشعراء الذي ترعاه هيئة أبوظبي للتراث والثقافة حضوراً متميزاً، ومازالت وقائع الدورة الثانية منه تجري على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، واشتدت المنافسة بين الشعراء الذين خلص عددهم إلى خمسة عشر شاعراً انتقلوا إلى المرحلة الثانية من البرنامج، وهي إحدى المراحل المهمة في غربلة الشعراء، والاقتراب من لقب الإمارة.

Ad

مازالت تحضرني وقائع الدورة الأولى من البرنامج والشعراء الستة الذين وصلوا إلى المرحلة النهائية، وهم نجوم بحق، يشهد لهم شعرهم، وحضورهم الإعلامي على خشبة المسرح، وهم: تميم البرغوثي من فلسطين، جاسم الصحيح من السعودية، كريم معتوق من الإمارات، حازم التميمي من العراق، روضة الحاج من السودان ومحمد ولد الطالب من موريتانيا.

كلنا يتذكر قصائد البرغوثي الرائعة التي حملت شيئاً كثيراً من هموم القضية الفلسطينية، وكذلك الشاعرة السودانية روضة الحاج صاحبة القصائد السلسة والجماهيرية الطاغية، شعرها يصل إلى القلب مباشرة، ويثير الخيال، لقد كانت بحق خير سفير لوطنها السودان، وكذلك الشاعر السعودي المتميز جاسم الصحيح، شاعر الأحساء والمنطقة الشرقية، كما يحلو للبعض أن يطلق عليه لقب «متنبّي العصر»، كان الصحيح أحد المرشحين بقوة لنيل اللقب، ورغم أن تصويت الجمهور خانه، فإنه حل في المرتبة الثالثة، ولم يبتعد كثيراً عن اللقب.

وبالطبع نذكر هنا الشاعر والإعلامي الإماراتي المتميز كريم معتوق الذي استحق عن جدارة لقب إمارة الشعر، وأصبح يحمل المسؤولية الكبرى على عاتقه.

وقائع وأسماء كثيرة تحتفظ بها ذاكرتنا من الموسم الأول لهذا البرنامج، وهو يخطو خطواته نحو إتمام موسمه الثاني.

يستحق هذا البرنامج رغم كل ما قيل بشأنه من مآخذ، التشجيع وتسليط الضوء.

كل الشكر والتقدير لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي أهدت إلى جمهور العربية من مشارق الأرض إلى مغاربها هذه النفحة الشعرية، والجرعة الثقافية التي نعيشها نهاية كل أسبوع، وتنشط خيالنا، وتعود بنا إلى الوراء نحو القصيدة الفصيحة والذاكرة العربية المفعمة بالخيال والتصوير البليغ.

كنت أناقش أحد الأصدقاء بخصوص البرنامج، فقال إنه لا يمثل القصيدة العربية الأصيلة، ولا الشعر المتميز، لأنه يخضع لتصويت الجمهور وبالتالي المسألة تجارية، وقال آخر إن أحمد شوقي حالة لا يمكن أن تتكرر، ولقب الإمارة لا يُمنح بهذه السهولة، أقول لهما، هذه مآخذ كُتبت كثيراً في الصحافة، لكننا نقول، ما العيب في أن تكون المسألة تجارية، إن الإعلام المنفتح، وإشراك الجمهور من أجل التفاعل وإشاعة الحماسة بين الناس أحد أهم الركائز التي تقوم عليها البرامج الجماهيرية المعاصرة، ليست تكلفة الرسالة القصيرة الواحدة مرتفعة إلى حد يجعلنا نشعر بالاستغلال، كما أننا مخيّرون بالتصويت من عدمه، حتى إذا نظرنا إلى من صوّت لأحد شعراء البرنامج، ألا يستغرق ذلك منه بعض المتابعة والاستماع إلى الشعر الفصيح، أليس ذلك مفيداً لذائقة المشاهدين والمتابعين، بدلاً من قضاء أوقاتهم في برامج الرقص والغناء والترفيه؟!

أما في ما يتعلق بقول إن لقب إمارة الشعر لا يُمنح بهذه السهولة، ولا يستحقه سوى الشعراء الكبار، نقول ليس المقصود المعنى الحرفي لهذا اللقب، فمن يحصل على هذا اللقب من الشعراء الشباب لا ينافس شوقي أو المتنبي أو أبي فراس الحمداني، ولا يأخذ مكانة أحد منهم، الغرض من هذا اللقب كما يتراءى لي فتح المجال للمنافسة والوصول إلى أعلى مرتبة شعرية بين الشعراء المتنافسين، وهو خاضع لظروف البرنامج، ووقته، وساعة إطلاقه، فليس في الثقافة العربية منصب حكومي أو رئاسي يسمّى أمير الشعراء، حتى نمنحه لإنسان ونحجبه عن آخر.

نبارك للشاعر الكويتي الصديق رجا القحطاني وصوله إلى المرحلة الثانية، ونتمنى له مزيداً من التقدم، فهو من الشعراء الجادين الذين حملوا لواء القصيدة العمودية في الكويت، وكان له حضوره المتميز في الساحة الثقافية المحلية، فكل التوفيق له.