زمن عبدالله السالم فليذهب إلى الجحيم
حالما توفي الشيخ عبدالله السالم في نوفمبر 1965، ورغماً عن أنف التوجه الرسمي آنذاك، خرج الكويتيون على بكرة أبيهم لتوديع «أبوهم العود»، الرجل السمح المتسامح. تذكرته حينها، كيف أننا عندما كنا صغاراً، نلعب كرة القدم في منطقة القادسية، على شارع القاهرة، كان يمر أحياناً، تسبق سيارته الكاديلاك دراجة نارية، فنتوقف عن اللعب، ونلقي عليه التحية، فيطلب من سائقه إبطاء السرعة، ليلقي علينا التحية باسماً مبتسماً كعادته. لا بأس، رحل رجل ندر وجوده إذاً. هي سنة الحياة، ولا رادّ لسنة الله في خلقه.
كنت أتساءل من ضمن المتسائلين لماذا ظهرت علينا محاولة تعتيم رسمية لحقبة عبدالله السالم؟ ولم يتركنا تلفزيون الكويت آنذاك في حالنا، فقد تم بث أغنية جديدة، من أداء فنان الكويت الراحل عوض دوخي، رحمه الله، يقول مطلعها: «راح وقت المزاح... من يوم جانا صباح»، إشارة إلى الشيخ صباح السالم، رحمه الله، الذي تولى الحكم خلفاً للشيخ عبدالله السالم. لا أعرف من الذي أمر بتأليف أغنية بهذا المعنى، ولا حتى من هو مؤلفها، ولا من لحنها، فهي على أية حال ذهبت في طي النسيان، وكانت مستفزة لمشاعر الناس، ولكن الهدف منها كان واضحاً، بغض النظر عن تهافت الكلمات، فكيف يجرؤ سفيه على وصف حقبة عبدالله السالم بأنها وقت المزاح؟ كان الهدف إذاً هو طمس عبدالله السالم بكل ما كان يعنيه كشخص وإنجازات من الذاكرة الحية، واستبدالها ربما بحقبة جديدة، تقوم على إصلاح الأخطاء التاريخية التي «اقترفها» الرجل، وأول تلك الأخطاء التاريخية هو الدستور. ولعل محاولة إصلاح ذلك الخطأ التاريخي تلك هي التي أدخلتنا في أزمات متكررة بدءاً من تزوير انتخابات 1967 وحل مجلسَيْ 1975 و1985 والمحاولات المتكررة لتنقيح الدستور. فجعلت من نظامنا السياسي، بطة عرجاء، تغدو ولا تجيء، تراها ولا تراها، يحسبها الظمآن ماءً، فلا ترويه ولا تشفي غليله. لأمر ما، ارتبطت محاولات طمس الدستور بمحاولات طمس عبدالله السالم، وقد كان لافتاً أن كتاب «تاريخ الكويت الحديث، 1750-1965» الذي ألفه الدكتور أحمد مصطفى أبوحاكمة، وهو الذي كان مكلفاً من قبل لجنة تاريخ الكويت، أي أنه كان يكتب ما يمكن وصفه بالتاريخ الرسمي للكويت، قد خصص صفحة ونصف الصفحة (فقط لا غير) من أصل 323 صفحة للفترة الواقعة ما بين 1950 و1965، فما هي تلك الفترة يا ترى؟ إنها فترة حكم الشيخ عبدالله السالم. بالطبع في الكتاب الكثير من الإشكاليات، والانحياز الكامل لوجهة النظر الرسمية، ربما يكون لنا عودة إليها مستقبلاً، ولكن الأهم في موضوعنا هنا هو، أنّ تجاهل وطمس عبدالله السالم، كانا، فعلاً يتمّان عن عمد، ومع سبق الإصرار والترصد لغاية وربما لغايات أبعد كثيراً من الجانب الشخصي لرجل جميل كعبدالله السالم.ولكن من هو عبدالله السالم، وما هي الظروف الحاكمة التي كونت وعيه المتقدم، ومنظوره لمجتمع أكثر تطوراً؟ وما هي أبرز إسهاماته قبل حكمه وبعده، كعلاقته مع العراق، أو قراره التاريخي الخاص بالتثمين، أو مفاوضاته في إنشاء مكتب الاستثمار، أو مفاوضاته مع الشركات النفطية، أو علاقته مع الأسرة الحاكمة أوعلاقته مع التجار وتحييده للشركات الخمس؟ ذلك ما نسعى إلى التعرف عليه في سلسلة مقالات رمضانية قادمة.