أسوأ موقف من الممكن ان يتخذه العرب هو أن يواجهوا هذا التحـول التاريخي الذي طرأ على مواقف أميركا وسياساتها تجاه أزمة الشرق الأوسط، وجوهرها القضية الفلسطينية، بالاستنكاف وعدم الخروج من دائرة الدوران حول النفس وترك الرئيس الأميركي باراك أوباما يقلِّع شوكه بنفسه ويواجه كل هذا الرفض لما قاله من فوق منبر جامعة القاهرة وحده فهذا سيؤدي به الى اليأس والإحباط وسيعزز نفوذ مراكز القوى التي أعلنت الاستنفار ضده وضد توجهاته وخصوصا في الولايات المتحدة نفسها.

Ad

لا يكفي ان يُواجه ما قاله أوباما بالمديح والثناء، ويقيناً أنه إذا بقي العرب "يبحلقون" في السماء ويتخذون هذا الموقف العدمي البائس الذي يتخذونه فإن حماس الرئيس الأميركي سيفْترُ وان اليأس والإحباط سيكونان مصير اندفاعته هذه، وان فرصة لم تتوافر إطلاقاً على مدى سنوات هذا الصراع الطويل سوف تضيع وعندئذ فإن الفراغ الذي سينشأ ستملأه القوى الإقليمية التي لا هم الشعب الفلسطيني همها والتي لا تريد من القضية سوى ان تكون نافذة لنفوذها الى المنطقة.

بوضوح وصراحة فإن هذا الرد العربي، حتى الآن، مخيب للآمال إذْ لا يكفي ان يكون الرد على خطاب أوباما وما تضمنه من مواقف وسياسات تعزز الآمال بأن تُصبح الولايات المتحدة وسيطاً محايداً وان بالحدود الدنيا بقصائد الشعر وبالمديح والثناء، وكفى الله المؤمنين شر القتال و"اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".

يجب ان يتحرك العرب، إن لم يكن كلهم فبعضهم، حتى تكون الخطوة التالية لهم وان يردوا على هذه الإيجابية الأميركية بإيجابية مماثلة تكون أوضح وأكثر منها، وأن يساعدوا الرئيس الأميركي الذي سيواجه تحديات كثيرة داخل أميركا وخارجها على ألَّا يصاب بالإحباط وان يواصل هذه الاندفاعة التاريخية المهمة .

إن الإبقاء على مبادرة السلام العربية على الطاولة وحده لا يكفي فهذه المبادرة حتى يصبح بالإمكان تنفيذها تحتاج الى تفاصيل وتحتاج الى المزيد من وضوح الرؤية المقرونة بالمزيد من المرونة البناءة وتحتاج الى ان يعطي العرب الرئيس أوباما شيئاً ملموساً يواجه به حملة اليمين الإسرائيلي ومراكز النفوذ الصهيونية في الولايات المتحدة.

غير مفهوم على الإطلاق موقف اللاموقف هذا الذي يتخذه العرب، فالمفترض انه عندما تتقدم الولايات المتحدة بهذه الخطوة الاستراتيجية المهمة ان يكون الرد بخطوة عربية مماثلة وألا يكتفوا بهذا المديح والثناء وبهذه "الغمغمة" غير المفهومة التي لا يستفيد منها إلا أصحاب المواقف العدمية وتجار الشعارات التي لا تفيد إلا اليمين الإسرائيلي المتطرف.

إذا أراد العرب للرئيس الأميركي ان يواصل هذا الذي بدأه فإن عليهم ان يخرجوا من دائرة الدوران حول النفس هذه وان يكونوا أكثر جرأة وشجاعة وأن يتخذوا خطوة عملية ملموسة وواضحة وغير حمَّالة أوجه تضع أسلحة جديدة في يد باراك أوباما ليواصل هذا الذي بدأه الى ان يتحقق ما يريده.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء