حتى ننسى... ونتسامى

نشر في 05-08-2010
آخر تحديث 05-08-2010 | 00:01
 إيمان علي البداح إننا لسنا بحاجة لتحفيز الغضب والحقد والألم لنتذكر الغزو، فندوبه أمامنا كل يوم وفي كل زاوية، خصوصا لمن صمد أو فقد حبيبا أو قريبا، ولا يمكن أن يمحوها الزمن، ولكن لابد من أن يخفف وطأتها لأننا المتضررون لا «العدو».

في كل ذكرى للغزو الصدامي على الكويت تعود إلينا دعوات ألا ننسى، وتجترّ وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية صور الدمار والتعذيب والتخريب، ويتسابق الكتّاب في السب والشتم في النظام الصدامي ويتعدى الكثير ليصيب الشعب العراقي بأكمله بوابل الحقد والتمييز والعنصرية اللامتناهية.

فالرسالة الأساسية «لاحتفالية» ذكرى الغزو والتحرير (وحتى الاستقلال) أصبحت «حتى لا ننسى الغضب والألم والضغينة» حتى بعد عشرين سنة تغيرت فيها الوجوه واختلفت فيها الظروف. ولا أحد يتوقف ليسأل لماذا لا ننسى؟ لأننا اقتنعنا أن النسيان خيانة للوطن وجحود بأرواح الشهداء وتجاهل لمعاناة الأسرى ومصير المفقودين!

وكأن اجترار الألم سيحيي الشهداء أو ينير طريق البحث عن المفقودين، أو أن الغضب والحقد سيحميان البلد من غزو آخر، أو كأنما لا بد أن نعاقب أنفسنا طول الأمد بهذا الكم من المشاعر السوداء لأن أحدهم تجرأ يوما واعتدى علينا.

إننا لسنا بحاجة لتحفيز الغضب والحقد والألم لنتذكر الغزو، فندوبه أمامنا كل يوم وفي كل زاوية، خصوصا لمن صمد أو فقد حبيبا أو قريبا، ولا يمكن أن يمحوها الزمن، ولكن لابد من أن يخفف وطأتها لأننا المتضررون لا «العدو»، فالضغينة تأكل صاحبها وتلبد بصيرته وتقصر من عافيته في حين لا تحرك شعرة من الآخر الذي لم يعد له وجود أصلا.

الإنسان (الشعب) العاقل يسمو فوق المشاعر البدائية، ويركز على الدرس والعظة مما يصيبه، ويدرس قواه التي كشفتها الخطوب ليستفيد منها ويفعلها في السلم والبناء، ولكن ماذا تعلمنا نحن من أكبر اختبار مررنا به في تاريخنا المعاصر؟

الإجابة باختصار لم نتعلم شيئاً، بل كرس الغزو كل ما هو سيئ فينا سواء كان العنجهية أو قصر النظر أو المادية، وأظهر عيوبا كانت مخفية يوماً ما تتجلى في الإدمان والعنف واستفحال الفساد، ومازلنا نستخدم نفس الخطاب ونفس الأدوات وكأننا دولة عظمى لا تهلك.

وفقدنا كل ما هو جميل في تجربة الغزو، وتناسينا كيف أدرنا البلاد دون «حكومة»، وكيف خرج الشباب المبدع منذ اليوم الأول لفتح الجمعيات والمخابز والمستوصفات ومحطات البنزين دون إيعاز من أحد، وأغفلنا كيف تبخرت الألقاب والطبقات والطوائف والمعتقدات في وجه الهدف المشترك، وتناسينا دور المرأة في الصمود والمقاومة، وأضعنا تلك الطاقة والقدرة على الإنجاز والصبر والتحمل وكأنما لم يمر علينا ما مر.

كان بإمكاننا أن نخرج من تلك المحنة أقوى وأجمل بعد أن استوعبنا إمكاناتنا وطاقاتنا الخفية، ولكن للأسف أصبح الغزو مدخلا لنكمل تدمير البلد بأيدينا، ومازلنا نرغب ألا ننسى!

back to top