نواب الفرعيات... وحكم القضاء!
أظن أن معظم القراء باتوا يعرفون موقفي المعارض لإقامة الانتخابات الفرعية، وذلك لأني كتبت كثيراً عن الأمر وتحدثت عنه في أكثر من مكان، ولعل من المفيد أن أذكّر بهذا الموقف في صدر هذا المقال، حتى لا يقال إن السطور التالية هي تراجع عنه!
كما أن إثارتي لهذا الموضوع اليوم، لا تأتي كشطحة فكر بلا رابط أو سياق، إنما لأني لاحظت أخيراً وبكثرة أن بعض الزملاء الكتّاب، وعند كتابتهم عن بعض النواب، وعلى سبيل محاولتهم للتقليل من قيمة هؤلاء النواب أو التشكيك في مصداقيتهم، يذكّرون بأنهم قد خرجوا من رحم الانتخابات الفرعية، وكأنهم يقولون إن هذا بحد ذاته كافٍ لئلا يُقبل من هؤلاء النواب بعدها لا صرف ولا عدل، وهذا في ظني منزلق خطير.من حيث المبدأ، لاشك في أن إقامة الانتخابات الفرعية والمشاركة فيها أمر مخالف للقانون، ولكن، وبحسب ما يقتضيه الإنصاف، فإن وقوع التجريم لا يكون إلا بحكم القضاء، وبالتالي وبما أن القضاء لم يجرّم حتى اللحظة أيا ممن جرى اتهامهم بالمشاركة في هذه الانتخابات، وبما أن كل الذين تم تقديمهم إلى المحاكمة قد نالوا البراءة، فلا حق إذن لأي كان أن يحاول التقليل من قيمة هؤلاء النواب عبر لمزهم من هذا الجانب، بل لعلّي أذهب إلى القول إن من حق هؤلاء النواب مقاضاة كل من يتهمهم بذلك بعدما جرت تبرئتهم قضائيا. وقد يقول قائل، لكن الناس لا يخفى عليها أن هؤلاء النواب قد شاركوا فعلاً في الانتخابات الفرعية، حتى لو لم يجرّمهم القضاء لسبب ما، كعدم كفاية الأدلة مثلاً، وسأقول إن هذا- مع وجاهته- يجب ألا نركن إليه إطلاقا، لأننا إن قبلنا به فسنفتح باباً لن نستطيع منع الآخرين من استخدامه للطعن في كثير من النواب وغيرهم، وستصبح أحكام القضاء وكلمته، وهي التي يفترض أنها الكلمة الفصل في مثل هذه الأمور، بلا قيمة معتبرة، وسيصبح لكتّاب الصحافة معاييرهم الخاصة!إن نحن دخلنا من نفس الباب، فسيمكن أن يقال إن الناس أيضاً لا يخفى عليها أن من النواب من قد مارسوا شراء الأصوات بوسائل مختلفة، وهي تعد في قناعتي شخصياً «جريمة» أشد وأنكى من المشاركة في الانتخابات الفرعية التي يستطيع البعض أن «يفلسف» فكرتها، فيقول إنها اجتماعات تشاورية لا انتخابات فرعية مثلا، في حين لا يستطيع ذلك مع شراء الأصوات، ومن هؤلاء النواب من هو من «أكبرها وأسمنها».وكذلك يمكن أن يقال إن الناس أيضا تعرف أن هناك من النواب من تم شراء ذمته ومواقفه بواسطة زيد أو عبيد من النافذين، وهذه أيضا في قناعتي «جريمة» أعظم وأدهى من المشاركة في الانتخابات الفرعية، وغير ذلك كثير مما يمكن أن يقال في حق مختلف النواب، لنجد أنفسنا في نهاية المطاف إزاء حسابات ونظرات متغيرة بحسب زاوية النظر، ووفقا لما يشتهي الناظر أن يراه، ولما يشتهي أن يتعامى عنه!خلاصة القول هي أنه لا يصح الحكم على مصداقية نائب ما لمجرد مشاركته في الانتخابات الفرعية التي ندرك أن لها ظروفها الاجتماعية والبيئية الشائكة والضاغطة جدا، وأن نترك الحكم على هذا لجدية وزارة الداخلية في التصدي لمن يخالفون القانون وللقضاء بعد ذلك، وأن نعتمد كمراقبين وراصدين على ما نملكه في الأساس تجاه كل النواب، ألا وهو تقييمنا لأدائهم ومواقفهم البرلمانية، ولعلي أتذكر وأذكركم بأن الكثير ممن شاركوا في الفرعيات سواء في هذا المجلس أو في المجالس السابقة، لم تخرج أسماؤهم يوماً من قائمة أصحاب المواقف الأكثر وطنية وشجاعة، بينما هناك نواب آخرون ليسوا من أهل الفرعيات، كان البعض يعلق عليهم آمالا عريضة سرعان ما «بركوا» على الأرض، بل ربما خرّوا صرعى الإغراءات والضغوط عند المنعطف السياسي الأول!