عندما يشاهد مشهدا عاطفيا على شاشة التلفاز... تغرورق عيناه، ويشعر بوجع السنين.

Ad

هذا ما كتبه الشاعر «أشرف عامر» في ديوانه «هو تقريبا... متأكد» الديوان معبأ بالشجن وبغربة من يعود إلى وطنه من بعد اغترابه الطويل في الخارج، ليجد كل ما كان له فيه، لم يعد له أثر... كل ما تقاسم دقات قلبه، وشغف حنينه في البعد... يعود إليه ليفتقده من جديد... افتقاد مر... افتقاد في هذه المرة ممحو إلى الأبد.

فهذا الذي يغيب على أمل أنه بكرة راجع، وسيجدد الزمان ويبعث الحب في الورد الذابل من طول الغياب وتعب الفراق، يجد أن ما ينتظر شوقه ولهفته قد انطفأ، وما عادت الطرقات تذكر خطوه فيها.

* «هو متأكد من أشياء: كثرة الأحلام أماتت الوقت... وأجلت فرحة القلب... لم يعد الأصدقاء هم الأجمل... وملح الوطن... لم يعد فاتحا لشهية أبنائه».

* «في تلك الليلة الطيبة كنت في حاجة جدا... الى من رحلوا... أن أذهب إلى المواعيد التي لم أذهب إليها... وأجلس مع من فاتني أن أجلس إليهم... في تلك الليلة التي تخصني... دون غيرها من الليالي... سقطت ورقة التوت وتمنيت أن أعيش مرة أخرى... وبلا حدود...».

* «عندي وقت ملعون لا يتدبرني... أصدقاء رحلوا... وأصدقاء لا أراهم» ديوان أشرف عامر معبأ «بالنستالجي» لتلك الأمكنة التي ما بارحها، ولتلك الشوارع القاطنة روحه فيها، وهو يرتشف غربتها عنه حين عاد إليها، ولكنها لم تعد إليه، ما كان في خياله لم يعد يجد له ظلا في الواقع.

*»تعفرني بالأغاني الشاجنة... وتملؤني بالأزقة... وبالوحدة».

*»وأنا بين الركام والضجيج... والصقيع... أقفز فوق الجميع... أتقاطر، أتخايل، أترسب، أتحلل... وبين الأزقة أضيع... حقا... إن العالم أضعف من احتمال قصيدة رديئة».

هذا هو أشرف عامر، الذي يشبه شعره في حساسيته وشفافيته وصدق إنسانيته العالية، يقطر أحساس العائد إلى وطنه بأحلام كبيرة من بعد غربة طويلة أمضاها في حنين، يبحث عن ماضي اختلف وتغير، ولم يعد يجد فيه كل ما رصد له من أشواق العائد إلى وطنه، لتبتلعه غربة أكبر من التي كان فيها. فالشوارع تنكره، والأصدقاء ما عادوا هم، والأم فارقت الدنيا، وكل شيء قد اختلف، ولم يتبق للشاعر إلا وجع الافتقاد ورجع الوحشة.

* «عندي أحلام متناثرة في درج المكتب... عندي أصوات مبحوحة في صدري، وصفيح في رئتي... ها أنا منذ الوجع الأول مشغول بتوافه الأمور... لم تعد لي حاجة بكم... لم أعد اهتم».

ولكنه يعود إلى طبيعة روحه المسالمة والمحبة فيكتب في سطر ينز بالحنان والمسامحة لكل ما مزق روحه:

*»واحتفظت كذلك... بضلفة شباك مفتوحة في روحي... إلى الأبد»

استطاع أشرف عامر في ديوانه «هو تقريبا... متأكد» تصوير مشاعر المغتربين الذين يعودون إلى تلك الأمكنة التي مزقهم شوقهم إليها، ليجدوها قد تغيرت، وتغير كل ما فيها، وباتت نظرتهم إلى ما ألفته ذاكرتهم لا أثر له فالشوارع اختلفت.

*»وبنت العشرين التي كانت تمرق بين المارة باتجاه مقهى علي بابا، ذاك الذي نصفه حانوتا، ونصفه الآخر ملاذا للحالمين، فأصبح في غمضة عشرين عاما ماخورا، تتربع الليلليات على عرشه... في انتظار مهين».

*»المشاعر التي حملتني إلى شاطئ النهر، بالقرب من كوبري الجامعة، هي نفسها التي تدفعني الآن إلى الابتعاد عنه...».

ليس الإنسان وحده من يتغير ولكن حتى الأمكنة لها قدرة على التغير وعلى النسيان وعلى الجفاء وحتى النكران، طالما فارقناها ولم نبق على التصاقنا الحميم بها.