وداعا «بوأديب»: ها هم أعز الأصحاب وأقربهم يتسربون من بين أصابع الحياة واحداً تلو الآخر، وآخرهم صديقنا الكبير صفوان البني الذي وافته المنية يوم السبت الماضي، لقد كان صديقنا الحمصي من الصنف الذي عمل بالصحافة الكويتية بصمت وإخلاص دون دعاية صاخبة، وعلاقة الخبرة بالتواضع لديه علاقة طردية، وهو ما أكسبه ثقة واحترام كل من عرفوه أو عملوا معه.
لقد سكن حب الكويت وأهلها قلب صفوان البني منذ أن قدم إليها أوائل سبعينيات القرن الماضي، واندمج في تفاصيل حياتها حتى بات واحداً من أهلها، ومن حسن طالعي أن تقاطعت خطوطي مع خطوطه لنتصاحب كأعز الأصحاب، ونلتقي خارج إطار العمل بصورة دائمة تحت غيمة سيجاره الهافاني، وبالقرب من «قرشة المي»، كما كان يسمي «قنينة» الماء، واليوم شغر مكان صاحبي ولا أظن أن أحداً قادر على ملء فراغه، رحم الله صاحبنا «بوأديب» وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان.***أثار عنوان مقال زميلنا الكبير عبداللطيف الدعيج «أكلتم يوم أكلت السور» يوم 3 أبريل الماضي في «القبس»، قضيتين جدليتين شغلتا تفكيري منذ وقت طويل: الأولى، هي حدود حرية التعبير عندما تتداخل مع ثقافة الكراهية بين مكونات المجتمع. والثانية، هي عند أي ثور بالتحديد يجب أن نتوقف ونقول إن حرية التعبير في الكويت انتهت أو شارفت على الانتهاء؟في القضية الأولى كان للدعيج رأي واضح حول أهمية تطهير النفس وتغيير المناهج وتعديل القوانين، وقال بالحرف في مقال «حاميها حراميها» يوم 19 يناير الماضي: «انشروا المودة والرغبة بالتعايش السلمي بين الناس من خلال تطبيق القوانين وتفعيل المواد الدستورية الخاصة بالمساواة والعدالة في الحقوق والواجبات، فهذا وحده الكفيل بالقضاء على الشحن الطائفي والفئوي». وكل ذلك مطلوب، بل لعله هو العلاج الوحيد ليس فقط لحالة التوتر الطائفي والقبلي، ولكن لمعظم الملفات العالقة من دون لف أو «تلسيب».ولكن أن يعود «بوراكان» في ظل حماسه المتزايد لوزير تغليظ العقوبات لينتقد ملاحقة وزارة الإعلام لقناة «السور»، ويساوي بين ما تبثه من تعديات لفظية لقطاعات واسعة من أبناء الشعب وممارسة حرية الرأي والتعبير، كما جاء في مقال «أكلتم يوم أكلت السور»، فهذا ما لم أفهمه، وجعلني أقع في حيرة السؤال التالي: هل يشتمل فضاء حرية التعبير على حق التعريض بأصول الناس والتمييز بينهم على أساس العرق، خلافاً للتوجيه الدستوري «الناس سواسية»؟!القضية الثانية، وهي عند أي «ثور» بالتحديد يجب أن نتوقف لنقول حرية التعبير في خطر، فقد أحصيت بعض «الثيران» التي أكلت من قبل، ولم تجد من يناصرها سوى القلة، ومنهم بالطبع «بوراكان»، وهي كالتالي: لقد أكل الثور الأبيض عندما عطل مجلس الوزراء صحيفة «الأنباء» عام 1995 استناداً إلى مادة ملغاة من قانون المطبوعات السابق، وأكل الثور الوردي عندما أطلقت في عام 1996 عفاريت دعاوى الحسبة، ولوحق وزير التربية الأسبق سليمان البدر لتأييده الدكتور البغدادي في بعض آرائه الجدلية، وتبعه أدباء مثل ليلى العثمان التي حوسبت على رواية لها أجيزت منذ عام 1984!وأكل الثور البنفسجي عندما حبس أول سجين رأي في الكويت عام 1999 وهو الدكتور أحمد البغدادي، وأكل الثور البني في العام نفسه عندما كرر مجلس الوزراء عملته وعطل صحيفة «السياسة» خمسة أيام لنشرها تغطية صحافية لندوة زعم فيها أمين عام الحركة السلفية العلمية أن الأميركيين فرضوا مرسوم حقوق المرأة السياسية على الكويت.وأكل الثور الأزرق عندما هام مقص الرقيب حباً في معرض الكتاب حتى أضحى اليوم مخزناً كبيرا لكتب الطبخ، وسيدتي كيف تسعدين زوجك؟ وأكل الثور الأصفر المنقط «أبو كركوشة» عندما قرر مجلس الوزراء سحب امتياز صحيفة «السياسة»، وتعطيل صحيفة «الوطن» لمدة سنتين ولولا ستر الله ثم حكمة الشيخ جابر الأحمد لذهبت الجريدتان في «شربة مية».وأكل الثور الأحمر عندما سُمح لجهاز أمن الدولة عام 2000 بالتدخل في الانتخابات الطلابية وحبس طلاب الوسط الديمقراطي ثلاثة أيام، وها نحن اليوم لا نعلم إن كنا سنحاسب ككتاب أو سياسيين من القضاء أو «نكشخ» كم يوما في «الأوفرج» ويارب اجعل كلامنا خفيفا عليهم.أكل الثور الأسود عندما فتحت إدارة الجامعة أبوابها للجان الزكاة، وكل من ليس له علاقة بها بملاحقة أساتذة الجامعة المتنورين، وشن الحملات الظالمة عليهم، وملاحقتهم فيما يبدونه من آراء أو ما يدرسونه لطلابهم.كم ثوراً أُكل أحصيناه حتى الآن ولايزال هناك المزيد؟ فهل انتهت حرية التعبير عند ملاحقة قناة «السور» التي كشفت عن محتواها المناقض لكل ما طالب به كاتبنا الكبير لتحقيق التعايش السلمي في المجتمع؟ أم أنها ودعت الحياة في الكويت منذ زمن دون أن نشعر بها؟!***من بعد الشخصيات الرياضية التي كُلفت بإدارة شؤون الأندية المنحلة، جاءت هيئة الشباب والرياضة بموظفين إداريين من طرفها، فهل يعني ذلك أن اختيارها السابق كان خطأ؟ أو أنه قرار صائب ولكن التدخل الحكومي الثقيل فرض قواعده الجديدة في متاهة الصراع الرياضي في الكويت؟الفقرة الأخيرة: أشكر الزميل سعد العجمي على تفاعله الإيجابي مع مقالنا السابق، وأود هنا أن أؤكد له أن النقد الذاتي داخل التيار الوطني الديمقراطي قاعدة قديمة وراسخة نتمنى أن نشاهد مثلها في بقية التيارات والقوى الأخرى.
مقالات
الاغلبية الصامتة: ثيران بوراكان
08-04-2010