تذكّرنا بعصر الرومنسية وسينما الأحلام عبر الأدوار التي مسّت قلوبنا وعزفت على مشاعرنا. هادئة، تملك ابتسامة دافئة وإطلالة مميزة ومشاعر مرهفة. إنها ليدي السينما المصرية بملامحها البريئة وكبريائها الذكي وحضورها الخاص... ميرفت أمين صاحبة أرق وجه أحبته الشاشة وصارت، منذ غنى لها عبد الحليم حافظ في فيلم «أبي فوق الشجرة»، أحد رموز الحبّ في السينما العربية وفتاة أحلام كل مشاهد.

Ad

أناقتها لها عطر خاص اسمه البساطة، ها هي تجلس أمامي يسبقها عطرها، وتستعدّ لهذا الحوار الطويل الذي تمنح فيه تأشيرة خروج للأفكار والمشاعر والذكريات المخبأة في أعماقها وفي عقلها.

لا تحبّ ميرفت إجراء الحوارات الصحافية وتملك مهارة غير عادية في الهروب من مصيدة أي حوار لأنها تجيد التعبير بالإحساس أكثر من الكلام، كما تقول.   

معها اللقاء الثاني.

لماذا ترهقين أي صحافي يرغب في لقائك؟

 

أخشى التفوّه بكلام أندم عليه أو يفهمه الناس بصورة غير صحيحة، ربما لأنني لا أجيد أحياناً التعبير عن نفسي أو ترجمة أفكاري بشكل دقيق... ثم طالما لم أقدّم عملاً جديداً فما معنى أي حوار أجريه؟ وإذا أراد الناس، بفضولهم، معرفة أمور عن حياتي الخاصة، فأنا أراها عادية.

ميرفت مصطفى محمد أمين، مواليد منيا الفول في صعيد مصر، الأب قاهري والأم اسكتلندية، كيف تعاملت مع هذه الخلطة؟

 

كوَّنت هذه الخلطة شخصيتي، جمعت بين والديّ طباع مشتركة على رغم اختلاف النشأة، والدي رحمه الله كان هادئاً جداً وعاطفياً وحساساً وأمي كانت عمليّة إلى أقصى درجة، فأخذت هذه الصفات كافة منهما. تصوّر أن والدي لم يكن يتحمل الألم، مع أنه كان طبيباً، وتنهمر دموعه بسرعة، وعندما كان يضطر إلى حقني بإبرة يتألم أكثر مني. أنا مثله تماماً، من السهل أن تنهمر دموعي فوراً ومن دون مقدّمات.

 

هل كنت طفلة مدلّلة؟

 

 إطلاقاً، مع أنني كنت الطفلة الوحيدة في العائلة خلال تسع سنوات قبل أن يولد شقيقي، إلا أن الدلع لم يكن من نصيبي، صنعت لنفسي عالماً خاصاً  كانت القراءة فيه حياتي كلها، ولم أكن أنام إلا والكتاب في يدي، بالإضافة إلى حبي الشديد للحيوانات.

هل رافق العقاب طفولتك؟

 

طبعاً، خصوصاً إذا حصلت على درجات ضعيفة في المدرسة، وكان العقاب يصل أحياناً إلى الحبس في البيت وعدم الخروج، أو يرمقني والدي بنظرات قاسية، أو تضربني والدتي «أكثر من علقة ساخنة».

أيّهما كان صديقك أكثر: والدك أم والدتك؟

 

كانت والدتي قريبة جداً مني وكنت أحكي لها تفاصيل حياتي كافة.

هل كانت لك صداقات في مرحلة الطفولة؟

 

بالطبع، بعضها استمر بعد تلك المرحلة، لكن المشكلة أن تغيير مكان السكن يغيّر الصداقات، لأنه يبعد المسافات.

 

هل كانت لمرحلة المراهقة بصمات خاصة؟

 

ماذا تقصد؟

 

مثلاً، هل كنت تقفين على الشرفة أو أمام النافذة تنتظرين ابن الجيران الذي خفق له قلبك؟

 

(ضاحكة) العمارة الموجودة أمامنا كانت كئيبة جداً مع الأسف، وقفت كثيراً على الشرفة لكن لم أجد لا ابن الجيران ولا غيره.

 

أيّهما سيطر على حياتك أكثر في تلك المرحلة: عقلك أم قبلك؟

 

عقلي، لأن التخطيط تحكّم بتصرفاتي. كنت أقصد النادي يوم الإجازة وأرتاد السينما مرة أسبوعياً، كوني تربّيت في حي مصر الجديدة، فقد كانت لي ظروف خاصة، إذ نادراً ما يخرج منه سكانه، وهم قليلون، لأن متطلّباتهم موجودة فيه.

 

 بالمناسبة، هل كنت تلميذة مجتهدة؟

 

 يعني! لم أكن متفوقة جداً ولم أكن بليدة في الوقت نفسه، همي الوحيد كان النجاح.

 

لو سئلت آنذاك عن أحلامك المستقبلية، فبماذا كنت ستجيبين؟

 

لم يكن لديَّ حلم محدّد، إنما كانت تستهويني أي مهنة أتعامل فيها مع الأطفال كمدرّسة في روضة أطفال أو دار حضانة.

الزمن الجميل

 وأنا أجلس أمامك يمرّ في ذهني عصر الفن الجميل برقته ورومنسية مشاعره، أستعيد زمناً كان الحب فيه أكثر جمالاً وأقل ألماً وأعمق تأثيراً، فهل تشعرين بأن ذلك العصر بكل تفاصيله الرائعة ذهب وانتهى؟

 

 حتى لو كان موجوداً فسيبدو مثل الورد الاصطناعي بلا رائحة.

  لو بدأت مشوارك هذه الأيام، هل كان الوضع اختلف؟

 

 أكيد، لأن الزمن اليوم مختلف وبات ينقص الفن الاهتمام والحماسة والحبّ، هذه العوامل كافة كانت الـ{فيتامين» الذي يحيينا ومهّدت لنا الطريق وجعلتنا نقدم كل ما في داخلنا من إمكانات وإبداع.

حزت جائزة مصطفى أمين عن دور حكمت في مسلسل «الرجل الآخر»، ماذا تعني لك هذه الجائزة؟

 

إنها جائزة من أبي، ففي المرات القليلة التي التقيت فيها الكاتب الكبير مصطفى أمين كان يناديني: «يا ابنتي»، لأنه يعرف أن اسمي الكامل ميرفت مصطفى أمين، صدفة جميلة أن يحمل والدي الاسم نفسه.

 

ماذا يعني لك فيلم «السادات» وتجسيدك شخصية جيهان السادات؟

 

أحب السيدة جيهان السادات وأتابع نشاطاتها، وعندما علمت من الفنان الراحل أحمد زكي أنها رشّحتني للدور بنفسها، سُعدت وانتابني القلق لأن الشخصية التي أجسّدها حقيقية وليست خيالية. زرتها مع المرحوم أحمد زكي والمخرج محمد خان ومدير التصوير طارق التلمساني وتحدثنا كثيراً عن الرئيس السادات وأبدت حماستها للفيلم، وكانت لدي تساؤلات حول أحاسيسها أيام العبور وأثناء زيارة السادات للقدس وحياتها معه ومع الأولاد، وحاولت معرفة ردات فعلها تجاه الأحداث التي عاشتها مع زوجها، ما ساعدني على تجسيد الشخصية بنجاح.

هل أنت من أصحاب مدرسة التقمّص الكامل؟

 

لا، فأنا أعود فوراً إلى شخصيّتي بمجرد أن يقول المخرج stop.

 

ما الشخصية التي جسّدتها وكانت تشبهك؟

الزوجة في فيلم «زوجة رجل مهم»، لأنها صورة طبق الأصل عني كإنسانة، فأنا مثلاً قد أستمع إلى أغاني عبد الحليم حافظ وأسرح معه، وأتعامل مع الأمور بحذر وهدوء. تصدمني التصرفات الغريبة وتبهرني اللمسة الناعمة وتجذبني تفاصيل صغيرة ربما لا يلتفت إليها أحد.

هل صحيح أنك حزنت لعدم حصولك على جائزة عن هذا الدور؟

 

نعم، نظراً إلى الجهد الكبير الذي بذلته ولأنني عشته بكل نبضة في وجداني وعقلي.

 

هل تذكرين مشوار الجوائز في حياتك؟

 

 حصلت على جوائز عن أدواري في أفلام: «الحب وحده لا يكفي»، «امرأتان ورجل»، «لا تبكي يا حبيب العمر» و{الأراجوز»...

 

ما الدور الذي أرهقك؟

 

دوري في «الأراجوز»، كانت الشخصية جديدة علي تماماً ولم أقدّمها سابقاً.

هل توقعت النجاح لفيلم معين إلا أنه فشل؟

 

«عودة مواطن» مع يحيى الفخراني.

 

جسّدت دور الصحافية في مسلسلات «بنت سيادة الوزير»، «دعوة للحب»، «دموع صاحبة الجلالة»، فيلم «الأوباش»، فهل هي صدفة أم يستهويك أداء دور صحافية؟

يبدو أنه من كثرة مطاردة الصحافيين لي قررت منافستهم في عملهم.

هل سحب التلفزيون البساط من السينما؟

 

قطعاً لا، ما زال للسينما سحرها وبريقها وجمهورها وتسيطر على حياتنا بكل ما فيها من إبهار ومتعة بصرية.

 ما سرّ خصامك للمسرح؟

 

ليس خصاماً لكنه موقف ووجهة نظر، ثمة أمور كثيرة تبعدني عنه أهمها السهر.

هل كانت لك تجارب فيه؟

شاركت في مسرحية واحدة هي «مطار الحب» مع عبد المنعم مدبولي ويوسف شعبان.

 منْ هم المخرجون الذين انسجمت معهم أثناء العمل؟

 

حسين كمال، محمد خان، عاطف سالم وهاني لاشين...

هل يحتاج الفن إلى جرأة ما؟

 

لا أدري، بمجرد وقوفي وسط الزملاء على المسرح أكتسب جرأة غير عادية لا أعلم مصدرها وأعيش الشخصية التي أجسدها بكل أبعادها.

 

 سمعتك مرة تقولين إنك لا تشاهدين أفلامك عندما تُعرض على شاشة التلفزيون على رغم اعتزازك بأدوارك، لماذا؟

 

لأنني أتحوّل حينها إلى ناقدة شرسة، فمثلاً أقول لنفسي: «كان لازم أنفعل بالطريقة دي، صوتي مش مظبوط، نظرت غلط، انفعالي أعلى من اللزوم»... بهذه الطريقة أفسد على نفسي متعة المشاهدة، لذا ارتأيت الامتناع عن مشاهدة أفلامي.

عبد الحليم حافظ

من رشّحك لفيلم «أبي فوق الشجرة»؟

 الحاج وحيد فريد رحمه الله الذي صوّرت معه «نفوس حائرة»، أول أفلامي، كان يجهّز آنذاك مع فريق العمل لتصوير «أبي فوق الشجرة»، المقتبس عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وكان يفترض أن تكون البطلة أمام عبد الحليم الفنانة زيزي مصطفى، التي حققت نجاحاً كبيراً في فيلم «البوسطجي» مع حسين كمال، وطُلب منها اتباع حمية قاسية لتتناسب ملامحها مع ملامح طالبة جامعية. لا أعرف ماذا حدث معها، أذكر أنه طُلب مني الذهاب إلى منزل عبد الحليم. في تلك اللحظة انتابني الرعب والتوتر، لم أصدق نفسي. بالفعل، قصدت منزل عبد الحليم  ودخلت غرفة مكتبه ووجدته أمامي، ارتبكت ونظرت إلى الأرض ثم أنجزنا الفيلم وحقّق نجاحاً غير عادي.

كيف تصفين عبد الحليم الإنسان؟

لديه القدرة على إلغاء الحواجز فوراً بينه وبين الناس وهو حساس ورومنسي وصاحب ابتسامة هادئة ومريحة.

حتى اليوم، عندما أسمع أغنية أو أشاهد حفلة له في التلفزيون أنجذب إلى أدائه ولفتاته، كان صاحب «كاريزما» خاصة صنعت له هذا الحب كلّه في قلوب جمهوره.

ما أحبّ أغنياته إلى قلبك؟

«صافيني مرة» و{يا خلي القلب»...

أخبرينا عن تعاونك مع فريد الأطرش.

عندما رُشحت للبطولة أمامه فرحت وأدركت أنني محظوظة لوقوفي أمام نجمين كبيرين في عالم الغناء.

ما الفرق بين حليم وفريد من الناحية الإنسانية؟

فرق كبير في الطباع والأسلوب. مع حليم تشعر بأنه شاب في مرحلة الشباب ولا وجود لفارق السن بينك وبينه، بدليل أنه أدى دور طالب جامعي في «أبي فوق الشجرة» وصدّقناه، أما فريد فكان وقاره يسبق تصرّفاته، ويتعامل مع المحيطين به بأبوّة واحترام.

وماذا عن رشدي أباظة؟

كان نموذجاً للرجولة والشباب معاً، تارة يبدو طفلا شقياً وطوراً رجلاً ناضجاً. كان يتمتع بخفة ظلّ نادرة وموهبة جعلته يحفر اسمه في السينما ويصنع لنفسه مكانة مميزة لم ينافسه فيها أحد.

ما رأيك بلقب «ليدي السينما المصرية» الذي أطلقه عليك النقاد؟

«كتّر خيرهم».

الحبّ قبل الخبز

لك فيلم بعنوان «الحبّ وحده لا يكفي» وآخر بعنوان «الحبّ قبل الخبز أحياناً»،  فإلى أي المبدأين تنحازين؟

أنا من أنصار «الحبّ قبل الخبز أحياناً».

ما الذي يقوّي الحبّ برأيك؟

الأمان.

وما الذي يقتله؟

الغدر.

هل الحبّ مشروع جرح؟

لا، لكنه معادلة تحتاج إلى ضبط مقاديرها ليصبح مشروع فرح.

يقول الكاتب الصحافي أنيس منصور: «الحبّ هو مقدمة موسيقية جميلة للحن رديء اسمه الزواج»، ما رأيك؟

«لا، يا أستاذ أنيس حرام عليك»... الزواج مكمّل للحب وليس قاتلاً له، لكن المشكلة أن ثمة خللاً ما في ميزان الأخذ والعطاء بين الرجل والمرأة، ما يؤدي إلى انهيار الحياة بينهما، وأن كل طرف يتصوّر حصوله على صكّ ملكيّة للطرف الآخر بمجرد الاقتران به.

لو كنت أستاذة لمادة العواطف والعلاقات الإنسانية وأصدرت كتاباً، فما هو أول سطر تكتبينه؟

إذا أحببت أعطِ بلا حدود.

بالمناسبة، ما هو أحلى دور حبّ لك على الشاشة؟

في فيلم «حافية على جسر الذهب».

أيّهما أكثر في حياتك: الشجن أم الفرح؟

من الشجن نتعلم الفرح وفي الفرح يزورنا دائماً الشجن، أحياناً عندما يحبّ الإنسان بقوة يشعر بأن قلبه يؤلمه من كثرة الحب.

ما علاقتك بالسياسة؟

 لست متعمّقة فيها لكني ألمّ بتفاصيل ما يدور من حولي.

لو كوَّنتِ حزباً ماذا سيكون هدفه؟

إدخال السعادة إلى القلوب.

لك فيلم بعنوان «الدموع الساخنة» فمتى تسقط دمعتك ساخنة على وجهك؟

ليس لها توقيت محدد، قد تكون أمام مشهد مؤثر في فيلم أو في الحياة.

هل انخدعت بأشخاص معينين؟

جداً، تعلمت التفكير في المستقبل وأن أرمي وراء ظهري.

ما المطلوب من أي إنسان يرغب في إقامة علاقة إنسانية معك؟

أن يفهمني جيداً وهذه مسألة صعبة لأنني شخصية مغلقة.

ما الذي يستفزّك؟

الأخطاء.

كيف تواجهين الإشاعات؟

باللامبالاة.

ما أول شيء يلفتك في شخص ما؟

حديثه.

ذكية؟

من يدّعي الذكاء فهو غبي.

ديبلوماسية؟

لا.

ممَّ تخافين؟

من رائحة الغاز والملاهي والطوابق العليا.

متمرّدة؟

إطلاقاً، أنا مسالمة دائماً.

«ست بيت»؟

طبعاً. أتقن فن المطبخ و{أكلي طعمه حلو»، لكني فوضوية لا أعرف كيف أرتّب المنزل.

فاتورة حبّك للفن هل كانت باهظة؟

لا، منحني الفن الكثير وربما أكثر مما استحق. الحمد لله أنني عملت في عصر جميل وظهرت في أفلام جميلة مع نجوم كبار ومخرجين عظماء.

ماذا تقولين ؟

عن نور الشريف

نحن أصدقاء وانطلقنا معاً في مشوار الفن، هو بمثابة شقيقي  يخاف عليّ ويهتم بي وشاركنا معاً في أفلام جميلة.

 عن محمود ياسين

قدّمت معه أفلاماً جميلة لا أنساها.

عن حسين فهمي

والد منة الله وشريكي في أفضل أفلامي الرومنسية.

عن عادل إمام

شاركت معه في بطولة أفلام كثيرة آخرها «مرجان أحمد مرجان» وهو نجم بكل معنى الكلمة.

عن عمر الشريف

إنسان جميل ومفخرة لكل فنان مصري، وهو لم يصل إلى العالمية من فراغ، قدّمت معه «الأراجوز»، أغرب دور في حياتي.