رحل في 28 مايو (أيار) الماضي الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة (1941 ـ 2010)، الذي تنوعت كتاباته الدرامية بين التلفزيون والسينما والمسرح.

Ad

أسامة واحد من كوكبة في جيله أثرت بل أسست لدراما التلفزيون، ويُلاحظ أن معظمها بدأ كتابة القصة أو المسرحية أو كلتيهما، أما السينما فظلّ التعامل معها محدوداً. ربما لأن دور «الكلمة» أساسي في القصة والمسرحية وإلى حد ما في الدراما التلفزيونية، بينما «الصورة» تزاحم، بل قد تزيح، «الكلمة» في السينما، لذلك لأسامة أفلام قليلة من بينها:

«كتيبة الإعدام» (1989)، «دماء على الأسفلت» (1992)، وكلاهما للمخرج الكبير الراحل عاطف الطيب وبطولة نور الشريف، «تحت الصفر» (1990) إخراج عادل عوض وبطولة نجلاء فتحي وصلاح السعدني، «الهجامة» (1992) إخراج محمد النجار وبطولة ليلى علوي وهشام سليم، إضافة إلى أفلام تلفزيونية وقصيرة من بينها: «الطعم والسنارة».

إذا نظرنا إلى زملاء أسامة الكبار في الدراما التلفزيونية نجد أن حالهم مماثلة في السينما، فالكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن لديه قلة من الأفلام من بينها: «ناصر 56» إخراج محمد فاضل، «حليم» إخراج شريف عرفة، والكاتب الكبير يسري الجندي له: «سعد اليتيم» إخراج أشرف فهمي، «المغنواتي» إخراج سيد عيسى، «أيام الرعب» إخراج سعيد مرزوق وهكذا.

التفسير الوحيد أن «سلطة الكلمة» تجد نفسها في وسائط أخرى غير السينما، تجعل هؤلاء الكتاب يعتدّون بكلمتهم ومكانتها، بينما السلطة والتوجيه والرؤية في السينما هي بالأساس للمخرج.

نلاحظ في أفلام عكاشة السينمائية تمحورها حول الطابع الاجتماعي ـ السياسي، ودخولها ضمن الواقعية، شأن مجمل أعماله بما في ذلك التلفزيونية والمسرحية، وإن كان قد أضاف لمسات أسطورية في مسلسل «عصفور النار»، وتكويناً شعرياً في مسلسل «وقال البحر»، ونسيجاً غنائياً في «أنا وانت وبابا في المشمش»، وغير ذلك من استثناءات محدودة أو إضافات.

لكن تبقى الواقعية هي ما يرتكز إليه مشروع أسامة الإبداعي في الإجمال، وهو، في إطارها الواسع، بلا ضفاف أحياناً على حد تعبير جارودي، يتناول قضاياه ويقلب ما يهتم به أو يؤرقه على كل الوجوه.

في أفلامه السينمائية، كما في مجمل مشروعه، أسامة مهموم بحياة الإنسان العادي، بتاريخه ومستقبله، منشغل بأبناء الطبقات البسيطة والمتوسطة، بمأزقهم الاجتماعي وطموحهم، وما يعترضهم سواء من محيطهم أو من داخل أنفسهم على غرار الرواسب أو العقد والنواقص.

في فيلم «دماء على الأسفلت» الذي يعتبر خاتمة مشروع عاطف الطيب الإبداعي مع السينما، يقدم الثنائي الطيب ـ عكاشة تحليلاً اجتماعياً نافذاً لما فعلته سياسة إطلاق السطوة والنفوذ لأصحاب رأس المال أو سياسة الانفتاح الاقتصادي. يعود بطل الفيلم (نور الشريف) بعد غربة سنوات في الخارج ليفاجأ بحجم التحوّلات التي حلّت بالمجتمع وطاولت عائلته (الأب والأخت والأخ)، فالأب العاجز لا يستطيع حماية بيته، والأخ ضائع ويوزع الهيرويين، والأخت مآلها مثل «نفيسة» في «بداية ونهاية»، تبيع نفسها وفي النهاية تنتحر.

إننا أمام «بداية ونهاية» أخرى، لكن عمل نجيب محفوظ كان يدور في ظل الاحتلال والعهد الملكي، بينما يدور عمل عكاشة في ظل الفوضى وانحرافات سياسة الانفتاح الراهنة.

لذلك رأى كثر وشائج تربط بين الإبداع لدى محفوظ والإبداع لدى عكاشة، من حيث الانشغال بالمجتمع وطبقاته وأجياله، في إطار واقعي نقدي، إنما يظلّ لكل منهما جمالياته وأسلوبه ومفرداته وانفراده.