خلطة فوزية... فيلم من الأفلام المصرية المميزة، كنت أرغب في مشاهدته منذ أن سمعت به في جلسة ضمت مجموعة من الكتاب في القاهرة، وكانت فيها الروائية الصديقة فوزية رشيد التي قالت إن فيلم خلطة فوزية هو عنها، لأن كاتبة النص هناء عطية صديقتها، وطبعاً فوزية كانت تمزح، لأنها على ما أعتقد لم تطلع في ذاك الوقت على مضمون الفيلم، الذي كتبته هناء عطية بحساسية وإنسانية عالية، يحكي عن فوزية التي هي شخصية معطاءة، متدفقة بحب الحياة وبحب الناس بشكل منفتح، عفوي، حميم، غير عادي، فبعد طلاقها من أزواجها الأربعة، الذين انجبت من كل واحد منهم طفلاً حتى بات لديها أربعة أطفال، أبقت أزواجها إلى جانبها مثل أخوة لها، وجمعتهم في حياة كلها مودة وصداقة غريبة ونادرة جداً، وإنسانية في شفافيتها إلى حد البكاء.

Ad

حين تتزوج الرجل الأخير تضمه إلى قائمة رجالها مع أطفالها منهم، ليعيش الجميع حياة شبه مشتركة، بأفراحها وبأحزانها مجتمعة معاً، ولكن ضمن إطار إنساني لا يمكن حدوثه إلا في مثل حالة خلطة فوزية، هذه الشخصية التي أدتها الفنانة الرائعة إلهام شاهين بكل اقتدار، فقد ذابت والتصقت في شخصية فوزية حتى تلاشت كل الحواجز والفواصل في ما بينها وبين الورق، فلا أتصور أن تكون هناك فوزية بهذا الكاركتور المبكي في شفافيته، والمبهج في حزنه.

إلهام تجاوزت كل حدود التمثيل في أداء هذه الشخصية، وكل من عمل في هذا الفيلم أدى دوره بإتقان مهما كان حجم الدور، من غادة عبدالرازق التي كان دورها عميقا في إنسانيته وفي خفة ظله، وأيضا القديرة عايدة عبدالعزيز في دور الأم، الذي أبدعت فيه بالرغم من قصره.

الجميل في هذا الفيلم هو نفحة البهجة بالرغم من الفقر والحرمان، ومن وضع الحمامات اللإنساني في هذه المعيشة التي تفتقد خصوصيتها.

لكن الفيلم شع بالمحبة وبالعطاء والفرح الآتي من الأقل من القليل، وكأن الحب والمسامحة ممحاة لكل أوضاع البؤس والألم المتولدة من الفقر وقلة الحيلة.

ولا أدري لماذا شعرت بروح المخرج والصديق المبدع داوود عبد السيد وبمنهاجه في هذا الفيلم، هناك تأثر ما بطريقته وبأسلوبه في الإخراج، لعله هذا التلاحم البشري الإنساني المحتشد ضمن حياة حميمية في تفاصيلها الكثيرة المخترقة بعضها بعضا، من دون أي حواجز، والمنفتحة على عمومية لا تعرف ترف معنى الخصوصية والتفرد، ولا معنى للحياة خارج عنها.

لعل هذه الجزئية من الفيلم مشابهة لرائعة المخرج داوود عبد السيد، فيلم الكيت كات، الذي هو من تأليف الصديق المبدع في كتاباته إبراهيم أصلان، وشعرت أيضا بوجوده في نص هذا الفيلم ضمن هذه التفاصيل الكثيرة، والصغيرة، والعميقة في إنسانيتها، على الرغم من مروقها السريع.

ولا أدري إن كانت المؤلفة قد تأثرت بروح كتابات إبراهيم أصلان الذي تأثر به الكثير من الكتاب.

كذلك جاءت مشاركة الموسيقي الرائع راجح داوود الذي هو ابن عم داوود عبد السيد، والعنصر الأساسي لكل أفلامه، لذا جاءت بصمته الموسيقية طاغية على الفيلم، وقربته من أجواء أفلامه.

هذه الخلطة الأخيرة أضافت عمقا في الرؤية، وأصالة فنية وإنسانية لفيلم سيبقى علامة في السينما المصرية.