الدعوة إلى استقالة الرئيس اللبناني التوافقي توزيع أدوار لضرب «وسطيته»
دعوة سياسي لبناني لصيق بدمشق الرئيس سليمان الى الاستقالة أثارت أسئلة عن أسبابها وأهدافها القصيرة والبعيدة المدى وعمن يقف وراءها.
يرى المراقبون أن دعوة الوزير السابق وئام وهاب رئيسَ الجمهورية ميشال سليمان إلى الاستقالة، وإن لم تكن دعوة جماعية باسم القوى السياسية المتحالفة مع سورية في لبنان، فإنها جزء من حملة منسقة تقوم على توزيع الأدوار في ما بين أطرافها، من أجل الضغط على سليمان على خلفية مواقفه السياسية.ويبدو أن تعاطي سليمان مع ملف الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية هو أكثر ما أثار استياء سورية وإيران وحلفائهما اللبنانيين:
- شكلاً لناحية توقيت الدعوة إلى الحوار بعد قمة دمشق السورية - الإيرانية في حضور الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وبالتزامن مع الدعوات الدولية إلى استعجال البت في مصير سلاح "حزب الله".- ومضموناً لناحية تأكيده، في أكثر من مناسبة، أن دور المقاومة العسكري في أية مواجهة محتملة يبدأ بعد حصول الاحتلال، وبعد إعلان الجيش اللبناني عدم قدرته على مواجهة العمليات العسكرية العدائية ضد لبنان.وفي اعتقاد المراقبين لتطورات الوضع اللبناني، أن مشكلة الرئيس سليمان في رأي المتحفظين المحليين والإقليميين عن سياسته تكمن في أن مواقفه تعتبر من حيث نتائجها السياسية أقرب إلى المشروع السياسي لقوى 14 آذار، بغض النظر عن إصراره على موقع حيادي ووسطي.وتعتبر قوى "8 آذار" أن سعيها إلى قلب موازين القوى لمصلحتها بما يغير المعادلات السائدة منذ عام 2005 اصطدم على الدوام بوسطية رئيس الجمهورية.فاتفاق الدوحة، الذي انتهى بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، قضى على المفاعيل العسكرية لاحتلال بيروت في 7 آيار (مايو) على الرغم من حكومة الثلث المعطل. ووسطية رئيس الجمهورية في الانتخابات النيابية الأخيرة سمحت لقوى "14 آذار" بالحصول على الأكثرية النيابية، أو على الأقل منعت قوى "8 آذار" من الحصول على هذه الأكثرية، مما اضطرها لممارسة شتى أنواع الضغوط المحلية والإقليمية لتعطيل الأكثرية المنبثقة من انتخابات حزيران (يونيو) 2009، من خلال سحب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط من "14 آذار".و"تواطؤ" رئيس الجمهورية مع الأكثرية في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات الأخيرة عطل على قوى "8 آذار" حصولها على "الثلث المعطل"، ولو أنه لم يسمح لقوى "14 آذار" بالحصول على أكثرية "النصف + واحد".وتصب مجمل هذه المحطات في خانة عرقلة إمساك "حزب الله" وحلفائه بمقومات السلطة في لبنان.صحيح أن قوى "14 آذار" لم تتمكن من التفرد بالحكم وفقاً لنتائج الانتخابات، ولكنها نجحت في منع خصومها السياسيين من الذهاب بعيداً في سعيهم إلى إعادة الأمور إلى وضع يشبه ما كان قائماً قبل عام 2005، معتمدة في ذلك على تقاطعها مع رئيس الجمهورية من خلال تجيير التنازلات التي فرضت عليها لموقع الرئاسة قاطعة الطريق بذلك على استفادة "حزب الله" وحلفائه من هذه التنازلات.ويلفت المراقبون إلى أن موقف وهّاب الداعي إلى استقالة رئيس الجمهورية، قد لا يكون بالضرورة الهدف الآني والفوري الحقيقي لسورية وحلفائها المحليين والإقليميين، ولكنه إحدى الأدوات الهادفة إلى الضغط على سليمان على المدى المتوسط لتخييره بين أمرين:- إما تجيير موقعه وقدراته وصلاحياته بما يصب في مصلحة مشروع "حزب الله" ونظرته إلى تركيبة السلطة في لبنان ومواقفها من الملفات الأساسية المطروحة.- وإما التعرض لحملة متصاعدة قد لا تبدأ بالدعوة إلى استقالته، ولكن يمكن أن تتدرج في اتجاه الوصول إلى مثل هذه المطالبة.ويربط المراقبون بين هذا الواقع وتكريس النائب جنبلاط خروجه من "14 آذار" بزيارته المرتقبة لسورية، ويلفتون إلى أن دمشق وحلفاءها يريدون قطع الطريق على مزيد من تدعيم الموقع الوسطي لرئيس الجمهورية من خلال الحؤول دون استفادته من التموضع الجديد لجنبلاط، الذي سيسمع كلاماً سورياً يرفض فتح صفحة جديدة على أساس المواقع الرمادية ويتمسك بواحد من خيارين، إما إلى جانب معسكر "14 آذار"، أو إلى جانب معسكر "8 آذار" كشرط لفتح علاقة جديدة مع جنبلاط.