يبدو أن الرهان على المطالبة بأعلى سقف في قضية إلغاء فوائد القروض الاستهلاكية والمقسطة عن المواطنين كان في محله، وأن البحث عن مخارج كحلول وسط بين الحكومة والمجلس لم يكن ليفرض نفسه على السطح لولا إصرار الأغلبية البرلمانية على إقرار تقرير اللجنة المالية في مجلس الأمة بهذا الشأن.

Ad

وقضية القروض بحد ذاتها تكشف طبيعة العمل السياسي وتكتيكاته وفن التفاوض وأدواته في ظل ممارسة سياسة مشروعة ومرجعية ديمقراطية لا مناص من القبول بنتائجها بغض النظر عن المواقف المتعارضة، ولولا تمسك المجلس وعلى مدى ثلاث دورات تشريعية متتالية بهذا المطلب الشعبي لما حدث هذا الحراك السياسي لمعالجة المشكلة ومن أعلى مستوى سياسي.

ورغم تعقيدات مشكلة القروض الشخصية، واختلاط الحابل بالنابل فيها، وتفاوت معايير العدالة في إيجاد الحلول المناسبة لها، فإنها تظل القضية الأولى على المستوى الشعبي وفي المسرح السياسي، فهناك عشرات الآلاف من الأسر الكويتية التي أنهكتها الديون وبفوائد جائرة وتراكمية سببتها ألاعيب البنوك واستغفالها لسذاجة وحاجة المواطنين من جهة، وتقاعس الحكومة عن فرض رقابتها ناهيك عن محاسبتها لتلك البنوك، رغم المخالفات الصارخة التي تجاوز عددها الخمسين ألف مخالفة من جهة أخرى!

ولهذا لم يكن سوى القنوات التشريعية لحسم هذه المشكلة، والتشريع بحد ذاته يعني الدخول في اللعبة السياسية، وإذا كان خصوم حل قضية القروض يتهمون الطرف الآخر بدغدغة المشاعر وتكبيد المال العام لتبرير السلوك الاستهلاكي المفرط في حياة الكويتيين، فقد لجؤوا بدورهم إلى أقوى الأدوات السياسية داخل المجلس وخارجه، ووصولاً إلى القيادة السياسية لإجهاض المشروع البرلماني حتى قبل ولادته!

ولهذا لا نجادل أصحاب الرأي الآخر المعارض لشراء القروض في فلسفة موقفهم السياسي، ودفاعهم عن البنوك وتجاوزاتها، أو تمثيلهم للنخبة الطبقية المرفهة، أو التشكيك في حرصهم على الأموال العامة في قصص مماثلة، مثل أزمة المناخ ومشروع الاستقرار المالي لحماية مجموعة من الشركات، وإنما يجب أن نواجههم من خلال قواعد اللعبة السياسية ذاتها.

فلولا تقدم أعضاء مجلس الأمة بعدة اقتراحات بقوانين قبل ثلاث سنوات لاستمرت الحكومة ومن يقف وراؤها في إنكار وجود مشكلة حقيقية تؤرق أكثر من ربع مليون مواطن وعوائلهم، ولولا طلبات الجلسات الخاصة في هذا الشأن لما تراجعت الحكومة عن معلوماتها المزعومة بأن عدد المتعثرين لا يتجاوز العشرين فرداً، وثم الاعتراف بأن صندوق المعسرين استقبل قرابة العشرين ألف حالة من غير القادرين على الانتظام بالسداد، ولولا التصويت على قانون إلغاء فوائد القروض أخيراً لما أعلنت الحكومة استعدادها لمراجعة قانون المعسرين وتغيير مواده ونسب الاستقطاع والسداد فيه مع زيادة رأسماله إلى ثلاثة أرباع المليار دينار!

ولهذا فقد كان من حق المجلس أن يطالب ويصر على تحقيق أعلى المكاسب لمواجهة مثل هذه العقلية الحكومية، وأن يضرب بالعالي حتى تضطر الحكومة إلى القبول بالحلول الوسط، أو على الأقل تحترم الأغلبية الساحقة التي أقرت القانون بـ35 صوتاً مؤيداً مقابل 12 صوتاً معارضاً فقط، وأن يتشرف النواب المؤيدون للقانون بلقاء سمو الأمير لشرح أبعاده السياسية والاجتماعية وحتى المالية من منظور آخر يختلف عن الرؤية الحكومية التي برهنت المناقشات والأرقام على هشاشتها وتقلباتها العجيبة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة