سأقولها مبتدئاً، نعم... يجب أن يصعد رئيس الحكومة إلى المنصة لاستجوابه، وقد حان الوقت لهذا فعلا، حتى ننتهي جميعا من هذا الملف الذي طال أمده، ونتجاوز هذا الاختناق المستمر!

Ad

لكنني لا أملك إلا أن أظل أتساءل: أليس بأيدي نوابنا قضايا أعمق وأكبر ليسائلوه عنها؟ مثل (استمرار انحدار مستوى الخدمات العامة، وتواصل ارتفاع مؤشرات الفساد وتفشي الجريمة، واستمرار العجز عن إدارة الأزمات ومواجهتها، وسيادة التجرؤ على اختراق القانون، واستحكام التردد في اتخاذ القرارات التنموية والضعف في الدفاع عنها)، وهو بالنص ما ذكره النائب فيصل المسلم في ديباجات صحيفة استجوابه، لا في محاورها وللأسف، وهي قضايا يمكن للنواب المجتهدين بحق أن يعدوا فيها صحائف استجواب كبرى. لذلك حين توقفت في المقال السابق حيث رآني البعض أسخر من الاستجواب المقدم من المسلم لرئيس الوزراء، فالحقيقة أني لم أكن كذلك، بل كنت أعبر عن إحباط وأسى كبيرين من نائب أقدره أحبه وأحترمه، لكن ما عدت اليوم بقادر على مغالبة خيبة أملي في تعامله مع موضوع شيكات الرئيس.

د. فيصل المسلم ليس من النواب فئة «يقرأ ويكتب ويبلغ من العمر ثلاثين عاما» فحسب حتى يمكن أن يعذره أحد إن هو مال إلى السطحية أو الهشاشة، إنما هو أكاديمي له وزنه، كان، ومازال، لنا فيه رجاء كبير لأداء برلماني من طراز رفيع. أداء يجمع ما بين القوة والحزم من جانب والموضوعية والاتزان من الجانب الآخر، لكن ما رأيته منه في هذه القضية كان أقرب إلى مماحكة إعلامية مقسطة، لا مواجهة مباشرة غرس عبرها إصبعه في عين الحقيقة!

ولست هنا بحال من الأحوال أقلل من فداحة إعطاء شيك من رئيس الحكومة لأحد النواب، بل لعلي أتشدد أكثر حتى من النائب المسلم نفسه وهو الذي رفض في صحيفة استجوابه لأن تكون هناك علاقة مالية مباشرة بين موظفين عموميين يراقب بعضهم بعضا، وربما أكثر من كل من كتبوا حول الموضوع فلا أقبل على الإطلاق كل أنواع الهبات والتسهيلات من أي طرف في الحكومة لأي نائب من النواب بأي ذريعة ولأي سبب، ولهذا بالضبط لا أجد العذر للنائب المسلم في عدم كشفه اسم المستفيد من الشيك.

المسلم يصر على أن كشف الاسم لابد أن يأتي من رئيس الوزراء، بالرغم من أنه هو من يحتم عليه أن يكشفه لأنه الشاكي، لهذا وبكل بساطة سيمكن لرئيس الوزراء أن يقول إن هذا ماله الخاص الذي تصرف به في إطار القانون، وإن الشيك وببساطة ذهب لنائب طرق بابه لسبب من الأسباب، فلم يرده وما كان من باب أولى أن يهتك ستره.

أقولها وأنا أدرك أنها حجة قد تبدو ساذجة وتبسيطية جدا، ولكن مادامت ثقافتنا وممارستنا السياسية تدور بأسرها، ومن سنوات طويلة، بلا قوانين واضحة ترصد وتحاسب تداول الأموال والمنافع بين الموظفين العموميين في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وما أكثر ما تم تداولها، ومادام البعض لم يرفض من حيث المبدأ تبرع رئيس الوزراء لمبرة النائب وليد الطبطبائي، فما المانع أن تستخدم نفس الممارسات السائدة لتتم مساعدة نائب آخر؟!

وأظنه موضع مناسب لأبيّن بأنه لا يخامرني أدنى شك بنظافة كف الطبطبائي، فأنا أعرفه عن كثب أخا وصديقا، لكن هذا لا يعفيني من القول إنه قد أخطأ سياسيا بقبول الدعم المالي من رئيس الحكومة لمبرته الخيرية، وأظنه قد أدرك هذا الآن، فهو في موقع يجب أن يردعه عن مثل هذا الأمر، وليس كافيا أن يتذرع أحد بأن مواقفه البرلمانية لم تتأثر بهذا الدعم.

نعم أقبل من الناشط والكاتب محمد عبدالقادر الجاسم أن يأخذ دعما من رئيس الحكومة لتمويل مشروعه جسر المعرفة كما هو مذكور في موقعه، حتى دون الحاجة لاستذكار أن هذا لم يؤثر على حرارة نقده المستمر والشرس لرئيس الحكومة، ولكنني لا أقبله إطلاقا من أي نائب للأمة.

أعود للدكتور المسلم واستجوابه، لأقول بأني كنت آمل منه وهو ممن قال في ديباجات صحيفة استجوابه بتردي وسوء أداء الحكومة في عهد الشيخ ناصر المحمد، أن يأتي باستجواب يقوم على محاور أكثر ثقلا من محوري مصروفات ديوان الرئيس والشيكات، ولا أقولها للتقليل من قيمة هذين المحورين، إنما من باب أنهما سيسهل الالتفاف والدوران عليهما بشتى الطرق، حيث يمكن أن يقال إن المحور الأول تم تحويله إلى النيابة العامة، وسنضطر لأن نبتلعها كموس، وإن المحور الثاني بلا أدلة تثبت أنها كانت رشاوى، إنما مساعدات شخصية، وعدم إعلان تلقيها من قبل من استلموها كما استبق الطبطبائي بحكمة وذكاء لتبرئة ساحته، هو أمر يخص من أخذوا المساعدات ولا يخص من أعطى!

أما الحماس والترحيب الكبيران اللذان أبداهما البعض لاستجواب المسلم، فلا يرجع بالضرورة لقوة مادته، إنما لخصومتهم لرئيس الحكومة من الأساس، وما كان متوقعا من هؤلاء لذلك على الإطلاق أن يقولوا عن الاستجواب إنه ليس بالقوة المطلوبة.

مقالتي هذه وكثير مما سبقها، وإن اختلفت موضوعاتها ورسائلها، واستسهل البعض أن يرشقني بسوء الظن عبرها، ما هي في الحقيقة إلا دعوة متواصلة سأستمر فيها لترشيد عملنا السياسي، سعيا لأداء برلماني متطور، يوصلنا إلى نتائج ملموسة على الأرض، لا إلى تثوير أزمات يدرك الحكماء، أن ليس من ورائها طائل ذو قيمة، هذا والسلام على الباحثين عن الحق!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة