توبيخ الشرطة
يكاد لا يمر أسبوع دون ورود خبر في الصحف عن تبرئة متهم في إحدى المحاكم ليس لعدم كفاية الأدلة، بل لبطلان إجراءات التفتيش والضبط من قبل الشرطة، وذلك لعدم حصولهم على إذن من النيابة، أو عدم توافر عناصر الجرم المشهود التي تستثنيهم من الحصول على إذن النيابة، الأمر الذي يؤدي إلى امتهان كرامة الأبرياء بالقبض عليهم و»جرجرتهم» إلى التحقيق والمحاكم، أو تبرئة المجرمين وبقائهم طلقاء نتيجة أخطاء إجرائية، وفي الحالتين يوجد ضرر قانوني وأخلاقي على المجتمع، لذلك فإن ما تم تسريبه عن قيام وكيل وزارة الداخلية الفريق أحمد الرجيب بـ»توبيخ» قيادات الأمن العام في اجتماعه معهم الأسبوع الماضي لعدم اتباعهم الإجراءات القانونية الصحيحة أو تعديهم صلاحياتهم وقفزهم على اختصاصات إدارات أخرى، وعلى الرغم من أنه جاء متأخراً، فإنه مستحق.
هناك مشكلة متجذرة في عقلية الشرطي الكويتي (مع بعض الاستثناءات طبعاً) وهي أنه لا يستطيع التفريق ما بين طبيعة حياته داخل أكاديمية الشرطة وتعامله مع الجمهور فيما بعد، فلا يستوعب أن المعاملة القاسية والمهينة التي تلقاها داخل الأكاديمية لها أسبابها الموضوعية المتعلقة ببناء قدرته على تحمل الضغوط الجسدية والنفسية المصاحبة لعمله كرجل أمن، وأنه لا يجب أن يحمل هذه المعاملة إلى الناس خارج الأكاديمية.بعض أفراد الشرطة يعتقد أن «بدلته ونجمته» تجعله سيد الشارع بلا منازع، ويوجد التبريرات للقيام بأي فعل، وذلك على حساب الالتزام بالقوانين والإجراءات الصحيحة التي وجد من أجل صونها وعدم تجاوزها مهما بلغت الغايات من نبل، والأمثلة كثيرة منها ما تفنده المحاكم، ومنها ما نراه يومياً من انتهاك منظم للدستور والقوانين من خلال نقاط التفتيش والمداهمات العشوائية. من باب الإنصاف، لقد شهدت أكاديمية الشرطة تطوراً ملحوظاً في المناهج وأساليب التعليم والتدريب منذ أواخر التسعينيات، إلا أن المشكلة الباقية هي العقلية التي يحملها خريجوها إلى الشارع، إذ تطغى ثقافة الضبط والربط و»نفذ ثم ناقش» العسكرية في تعاملهم مع الجمهور على القوانين والإجراءات التي تعلموها داخل الأكاديمية، الأمر الذي يعميهم أحياناً عن الانتباه إلى خرقهم لها، وذلك يضعف موقف النيابة في ادعائها على المجرمين، والنتيجة فرارهم من العدالة وربما عودتهم إلى ارتكاب جرائمهم، لذلك فإن «توبيخ» الرجيب ضرورة أخلاقية وقانونية لتحقيق مصلحة وطنية ويستحق التحية عليه، على أمل أن «يكمل إحسانه» ويمنع إقامة نقاط التفتيش في الشوارع، فكثير من أحكام البراءة تصدر لبطلان إجراءات الاستيقاف والتفتيش فيها.Dessertمشكلة أخرى لا يشذ فيها الشرطي عن غيره من المواطنين في زمننا الحالي هي طغيان الدروشة ومعتقداته الدينية الخاصة على مبدأ سيادة القانون، بدليل استجابة الشرطة لبلاغ النائب «المحتسب» محمد هايف عن إحدى الحفلات الخاصة من دون تفكير وتعاملهم غير القانوني معه.