العراق ونتائج الامتحان العسير
-1-انتهت الانتخابات التشريعية العراقية، وظهرت نتائجها الأولية تقول إن الراديكاليين الدينيين العراقيين بقيادة المالكي والعلمانيين العراقيين بقيادة علاوي هم من أكبر الفائزين (مساء الأحد 14/3/2010). ومن المحتمل أن تُشكَّل الحكومة العراقية القادمة التي ستحكم العراق لمدة أربع سنوات قادمة من هذين الائتلافين، إضافة إلى مشاركة «الائتلاف الوطني العراقي» بزعامة إبراهيم الجعفري، و«الائتلاف العراقي الموحد» بزعامة عمّار الحكيم رئيس «المجلس الإسلامي الأعلى»، الذي حلَّ حزبه في المرتبة الرابعة، وتلك نتائج تختلف عن نتائج انتخابات العراق التشريعية عام 2005 فيما يلي:
1- كان ائتلاف الأحزاب الدينية هو الأول المتقدم، وهو أمر طبيعي ومنطقي في تلك الفترة، حيث نشر الفكر السياسي الديني الأصولي ظلاله على المنطقة المحيطة بالعراق، وحصل ذلك في ظل موجات الإرهاب الدينية الأصولية التي كانت تضرب العراق منذ 2003 حتى 2005، وما بعد ذلك بقليل، وفي ظل «الهوجة» الدينية الأصولية التي كانت ترسل «عطاياها» من الخليج وإيران ولبنان. وفي ظل نجاح الإخوان المسلمين في مصر في الحصول على 88 مقعداً في البرلمان المصري في انتخابات عام 2005. وفي ظل وصول أحمدي نجاد (الأصولي المتشدد) إلى كرسي الرئاسة الإيرانية عام 2005، وهزيمة المعتدل أمامه هاشمي رفسنجاني... إلخ.2- كانت الظروف السياسية داخل العراق وخارجه في انتخابات 2010 أفضل مما كانت عليه في 2005. فالتشنج الديني الأصولي بين السُنَّة والشيعة في العراق قد خفَّ إلى حد كبير. والتخوف الكردي-العربي، قد بدأ يتحول إلى تفاهم، وتعاون. والشعب العراقي- بمجمله– قد استفاق من «الخضَّة» التي أعقبت ثورة 2003. أما خارج العراق، فالمحاور العربية قد تمَّ تغييرها واستبدالها، فتمّت بعض المصالحات العربية من خلال «مؤتمر الكويت الاقتصادي» 2009، وخفَّ التشنج السوري–اللبناني. كما بدت أميركا أكثر دفئاً ورقةً مع سورية، مما كانت عليه عام 2005، في ظل إدارة بوش، وأرخت سورية من قبضتها على العراق، وخففت من إرسال قوافل الإرهابيين الدينيين الأصوليين إلى العراق.3- لوحظ أن جيران العراق قد تيقنوا بعد سبع سنوات من قيام ثورة 2003، أن هذه الثورة مكتفية بذاتها، وأنها غير قابلة للتصدير، كما كانوا يظنون في 2003، وما بعدها، وحتى 2005. وهم (سُنَّة وشيعة) قد ساعدوا على تثبيت هذا الاطمئنان، بما سببوه من فوضى، وتشجيع على الإرهاب، والفساد المالي، والحصار السياسي والإعلامي. بحيث نظرت شعوب هذه الدول إلى الداخل العراقي نظرة رفض، واشمئزاز، وتشفّ- في معظم الأحيان- نتيجة للماكينة الإعلامية السلبية لهذه الدول، التي كانت لا ترى في العراق بعد 2003، غير القتل، والدماء اليومية، والفساد المالي، والنهب، والسلب، والفلتان الأمني... إلخ. فلم يتمنَّ شعبٌ من شعوب المنطقة، أو من الشعوب العربية والإسلامية والعالم الثالث، أن يُصبح مصيره كمصير شعب العراق، نتيجة لخلع حاكم من حكامه الدكتاتوريين، حتى لو كان حاكمه فاجراً وفاسقاً وسارقاً... إلخ. وانتشرت الأحاديث السياسية النبوية التي يُقال إن الأمويين نشروها ومنها: «لا تعصوا أولي الأمر منكم. فإن عدلوا فلهم الأجر، وعليكم الشكر، وإن بغوا فعليهم الوزر، وعليكم الصبر». وهكذا ضمنت الأنظمة المحيطة بالعراق، والبعيدة عنه أيضاً، عدم تصدير «الثورة» العراقية، كما كانت تُخطط، وتعمل إدارة بوش، تحت عنوان الحرية والديمقراطية.-2-من المؤمل، أن يأخذ التغيير البطيء والتدريجي في العراق مداه، وإن كنتُ شخصياً غير متفائل كثيراً من نتائج هذه الانتخابات، وربما تفاؤلي سيكون أكبر وأكثر في انتخابات عام 2015 وفي عام 2020، حيث ستكون تجربة الحرية والديمقراطية قد نضجت بشكل أفضل وأعمق، واستطاع الشعب العراقي بنخبه وأحزابه البُراء أكثر من حكم القرون المظلمة الطويلة (العباسيون– خصوصا العصر العباسي الثاني، بدءاً من عهد الخليفة المتوكل [847-861م]- والمماليك، والعثمانيون، والهاشميون، والبعثيون). فالشعب العراقي كأي شعب عربي آخر، قد خضع لما خضع له الشعب العربي في القرن العشرين من تغيرات اجتماعية وسياسية بعد خلاصه من القبضة العثمانية 1918، ووقوعه في القبضة الغربية (إنكلترا) 1916 وكان من أبرز هذه التغيرات، ما قاله المؤرخ والأكاديمي اللبناني محمد مخزوم في كتابه (أزمة الفكر ومشكلات السلطة السياسية في المشرق العربي في عصر النهضة) «إن مرحلة ما بعد الاستعمار أدَّت إلى تمركز السلطة السياسية، وحصرها بأيدي فئة قليلة، سعت جهدها لتطوير آلتها الحكومية، بوضع تشريعات تمكنها من تطبيق أحكامها تطبيقاً فعلياً لإدارة مجتمعها المدني، بالشكل الذي يلائم تطلعاتها ومصالحها الاقتصادية» (ص137). -3-ولو تأملنا في هذه العبارات المهمة، والنتيجة التاريخية المترتبة عن دراسة عميقة لواقع العالم العربي بعد مرحلة الاستعمار بما فيه العراق، لوجدنا أن ذلك ما وقع بالفعل، إذ إن السلطة في العالم العربي وفي العراق خاصة- في العهدين الملكي والبعثي- قد طوّرت آلتها الحكومية، ووضعت تشريعات للقبض على السلطة بحزم. كذلك تمَّ الأمر في العراق بعد 2003، خصوصا في المدة الواقعة بين 2005-2010، حيث رأينا في العراق، كيف أن حكومة نوري المالكي سعت بكل جهدها لكي تجعل من العراق قبعة تليق برأسها. وقد أثبتت الانتخابات التشريعية بالأمس، نجاح هذا السعي، بفوز قائمة «ائتلاف دولة القانون» في المركز الأول من هذه الانتخابات، غير منكرين أن الدعم السياسي والإعلامي الإيراني، إضافة إلى المال الإيراني الغزير، الذي أُنفق في العراق أثناء الانتخابات (تقول بعض التقارير غير المؤكدة، إن إيران صرفت 2 مليار دولار في الانتخابات) قد دفع بقائمة «ائتلاف دولة القانون»، نحو هذا الفوز، لاسيما أن المالكي نفسه يميل إلى الهوى السياسي الإيراني، أكثر من أي هوى سياسي آخر في المنطقة، لأسباب طائفية وسياسية، ونكاية ببعض جيران العراق من السُنَّة الذين رفضوا مجرد استقباله، وزيارته إليهم.وربما استطاع العراق خلال السنوات القليلة القادمة تحقيق سلطة «الائتلاف الوطني» الحقيقي، ليكون النموذج الأمثل والمحتذى في العالم العربي. وبذا يتحقق جزءٌ من هدف «الثورة» العراقية عام 2003 وهو نشر عبير الحرية والديمقراطية في بعض أقطار العالم العربي.* كاتب أردني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة