يرى النائب اللبناني الدكتور ميشال موسى، عضو كتلة "التنمية والتحرير"، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، في طرح بري المشاركة في إحياء ذكرى اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير الجاري، محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها بعد التشنجات السياسية التي أعقبت اغتياله، ومبادرة لتكريمه وطنياً، بما ينسجم مع الجو الوفاقي السائد، وإذ لا يعترف بوجود "كيمياء" في السياسة بل علاقة تمليها المصالح والتحالفات، يؤكد موسى، في حوار مع "الجريدة"، أن الاختلاف في وجهات النظر بين الرئيس بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، حيال بعض القضايا، لا يفسد التحالف المتين القائم بين الرجلين، وبينما يرى أن اعتماد النسبية في بيروت يضيف مزيداً من الديمقراطية، يوضح أن التحالفات في الانتخابات البلدية تمليها الحسابات المناطقية والشؤون العائلية.

Ad

• عشية إحياء ذكرى 14 فبراير، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري استعداده للمشاركة وإلقاء كلمة، فهل هو فعلاً في وارد هذه المشاركة أم ان طرحه يأتي في إطار المناورة السياسية؟

طرح الرئيس بري ليس طرحاً سياسياً بقدر ما هو طرح وطني، بمعنى أن الرئيس رفيق الحريري هو لكل لبنان، ونحن اليوم في ظل حكومة الوحدة الوطنية، والتشنجات التي تحكمت في الحياة السياسية في السنوات الأخيرة قد زالت، والدليل إعادة تموضع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وكتلته. ويستوجب المناخ الوفاقي السائد عودة الأمور الى نصاب معين، فالرئيس الحريري رجل دولة وشهيد كل لبنان. وبالتالي، فإن مشاركة الجميع في الذكرى هي مشاركة وطنية. إنها محاولة للقول: فلتكن هذه الذكرى على حجم هذا الرجل وما يمثله، ولتساهم جميع القوى السياسية في إحيائها. في المقابل، هناك أصوات تعتبر ربما انها في حاجة إلى أن تبقي هذه الذكرى تخصها وحدها من أجل استنهاض معين، ولكن إذا تشكلت حكومة وحدة وطنية والرئيس الحريري زار سورية، فلماذا لا يكون التكريم تكريماً وطنياً؟

• لماذا تشعر القوى المسيحية بأنها متضررة دائماً من أطروحات ومبادرات الرئيس بري، كموضوع الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وخفض سن الاقتراع؟

أعتقد أنه في كثير من الحالات يكون الخلاف مسيحياً، ويُعبّر عنه على الساحة الوطنية، ولكنه يبقى حذراً أو خلافاً بين الفرقاء السياسيين. واليوم أعتقد أنه آن الأوان لتخطي المواقع الفئوية والسياسية الضيقة، والانطلاق الى رحاب وطني أوسع. الأكيد أن الرئيس بري ينطلق دائماً مما يحتّمه الدستور، وهو لا يستطيع من موقعه إلا أن يطرح بعض المواضيع، حتى لو استدعت لوماً، وليس بإمكانه وضع اقتراحات مشاريع القوانين الواردة من مجلس الوزراء في الدرج خوفاً من أن يُلام على هذا الموقف. وهذا ما ينطبق على بند وارد في الدستور، يرى الرئيس بري ان المناخ الراهن ملائم لتطبيقه، من خلال حكومة الوحدة الوطنية وما تجرعناه في الفترات الفائتة نتيجة الخلاف السياسي، وما استتبعه من خلافات طائفية أخذت وجهاً مذهبيا، لاسيما بين الطوائف الاسلامية. بالتالي، آن الأوان للشروع في تطبيق ما تبقى من "الطائف"، وعندما يلام الرئيس بري على ذلك، يبدو كأن ثمة نقصا في الساحة السياسية بعد هذا المناخ الهادئ نسبياً، وثمة محاولة من قبل بعض الأطراف لأخذ القضايا الى أماكن خلافية وتشنجية. وفي موضوع تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية بالتحديد، طرح الرئيس بري إنشاء هيئة من أشخاص مشهود لهم بكفاءاتهم، لدرس السبل الآيلة لإلغاء الطائفية السياسية من دون تحديد أي مهل زمنية، على أن تشكّل هذه الهيئة منتدى لطرح الهواجس وتبادل الأفكار، عوضاً عن الاستمرار في ممارسة الطائفية في زواريب هذا الوطن، وطرح الأمور بطريقة موسمية.

• يدرس مجلس الوزراء راهناً اقتراحات وزير الداخلية زياد بارود لإصلاح قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، فهل تؤيد اعتماد النسبية وتقسيم بيروت الى دوائر انتخابية؟

قد يصلح مبدأ النسبية لاسيما في البلديّات الكبرى، الموضوع رهن التوافق في مجلس الوزراء أو إحالته الى مجلس النواب للنقاش، للأسف وجهات النظر تأخذ غلافات معينة. بالنسبة إلي، أعتقد أن النسبية في مدينة كبيروت تفي بالهدف المطلوب لان تقسيمها الى دوائر يواجه بالقبول من البعض وبرفض من البعض الآخر، بمعنى أن التقسيم له ما له وعليه ما عليه، وبذلك ربما تخلق النسبية مزيداً من الديمقراطية، في دائرة كبيرة كبيروت.  

• كيف تصف العلاقة القائمة بين الرئيس بري والنائب ميشال عون، وهل ستكون الانتخابات البلدية نسخة مكررة عن الانتخابات النيابية في الدوائر المشتركة؟

العلاقة علاقة تحالف سياسي بالتأكيد، صحيح أن ثمة اختلافات في وجهات النظر بشأن مقاربة بعض المواضيع، وأن الأهداف تختلف في بعض القضايا، لكن التحالف يبقى قائماً. وفي ما يخص الانتخابات البلدية، أعتقد أنها مغايرة للمشهد الانتخابي النيابي، إذ تتداخل العوامل بعضها مع بعض، ويتحكم الشأن العائلي والحسابات المناطقية وعلاقات المصاهرة والقربى في صورة التحالفات البلدية.

• ما سر "الكيمياء المفقودة" بين الرئيس بري والعماد عون؟

لا وجود لـ"كيمياء" في السياسة بل مصالح وتحالفات، واعتقد أن المعارضة بمكوناتها الأساسية في الفترة السابقة لا تزال متماسكة، وتحالفاتها مستمرة وليس هناك داع إلى الخوف في هذا الإطار.

• ما موقف كتلة "التنمية والتحرير" من إعلان الرئيس الحريري مشاركة لبنان في القمة العربية المرتقبة في ليبيا، في ظل مطالبة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بمقاطعتها؟

لم نبحث الموضوع بعد، ولكن الرئيس الليبي معمر القذافي يجاهر بأن جامعة الدول العربية لا تعنيه، وبأنه مهتم بالتوجه نحو إفريقيا، وبالتالي المطلوب اليوم أن يحدد القذافي موقفه من الدول العربية: هل هو متضامن معها ويريد الانخراط ضمن مفاهيم الجامعة العربية أم لا؟ ومن هنا السؤال ماذا يفيد حضور لبنان القمة العربية في ظروف مماثلة، عدا عن المشكلة اللبنانية العالقة مع ليبيا والمتمثلة في تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وهو ما يؤلم شريحة كبيرة من اللبنانيين. من هنا، أقدّر أن انعقاد القمة في ليبيا يحتاج إلى توافق ودراسة معمقة في إطار صيانة الوحدة العربية، باعتبار أن رئيسها يرفض الايمان بقضايا العرب.

• إلى أي حد ينبغي برأيك أخذ التهديدات الاسرائيلية تجاه لبنان على محمل الجد، في ظل الانتهاكات المتواصلة للسيادة اللبنانية؟

عودتنا إسرائيل على التهديد بشكل دائم وهذا أحد أسلحتها، ولكنها تعرف جيداً وجود مقاومة قادرة على التصدي لها، كما حصل في عام 2006، وبالتالي إذا كانت اسرائيل تهدد بحرب جديدة، كجزء من سياسة الهروب الى الامام، والتي سبق أن اتبعتها من أجل استنهاض القوى وإلحاق الأذى بالآخر، فالوضع قد تغير اليوم، والسلاح لم يعد الوسيلة المربحة لاسرائيل. ليس من السهل اليوم على الإطلاق خوض حرب جديدة. ولكن في المقابل، لا أحد يستطيع الاستكانة للتطمينات الاسرائيلية، التي ترد من هنا أو هناك، ويبقى السؤال الأساسي: ما مدى استفادة إسرائيل من أي خطوة عسكرية؟