إن الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الإهمال الخطير الذي سيذهب ضحيته سكان المنطقة لم تكلف نفسها بتوضيح الحقائق للرأي العام، ولم تبين للناس كيفية تلافي هذا الإهمال الخطير ومعالجته حتى يطمئن المواطنون أنهم يتنفسون هواء نقيا، وأنهم بمنأى عن الأمراض المستعصية التي يسببها مردم القرين.

Ad

من القضايا التي تقاس بها فعالية الحكومة هي قدرتها على الاستجابة الفورية لما يطرح في وسائل الإعلام المختلفة والرد السريع على استفسارات المواطنين والاستفادة من شكاواهم لتعديل أو تغيير سياساتها، كون الشكاوى والانتقادات تمثل تغذية عكسية مجانية تعكس وجهة نظر المستفيدين من الخدمة، وغني عن البيان أن كبرى الشركات العالمية وأرقى الحكومات في العالم تعتبر تحليل الشكاوى والانتقادات جزءا لا يتجزأ من عملها اليومي، لذا فإن الحكومات الديمقراطية تشجع الناس باستمرار على إبداء وجهات نظرهم في الخدمات التي تقدمها، ولا تهمل ما يردها من ملاحظات وشكاوى وانتقادات مهما كانت قسوتها، بل تستجيب لها وتعتبرها ضرورية من أجل تطوير عملها وترشيد قراراتها، لأنها تدرك أن عدم تواصل الأجهزة الحكومية مع المواطنين من خلال توفير بيانات ومعلومات دقيقة لهم يترتب عليه، تدريجيا عدم ثقتهم بالقرارات الحكومية، وتذمرهم الدائم من عمل الحكومة حتى لو كان عملا صائبا.

أضف إلى ذلك معرفة حكومات الدول المتقدمة أن غياب المعلومات الدقيقة والبيانات الوافية التي يمكن الحصول على بعضها من خلال الشكاوى والانتقادات والاستفسارات التي يقوم بها المواطنون، يترتب عليه اتخاذ الحكومة قرارات خاطئة مبنية على انطباعات خاطئة عن مستوى الخدمات التي تقدمها أو تلك التي يتعين عليها تقديمها لعامة الناس.

أما لدينا فإن الوضع معكوس تماما، حيث إن أغلب الأجهزة الحكومية، إن لم يكن جميعها، لا يعير الشكاوى والانتقادات والاستفسارات العامة أي اهتمام، ولا يستفيد منها كتغذية عكسية، بل إن هذه الأغلبية تعتبرها ظاهرة سلبية تمس أشخاص المسؤولين وليس عملهم، وهذا يدل على شيئين: إما على عدم ثقة هذه الأجهزة بعملها وعدم احترامها لجمهور المستفيدين من خدماتها، وإما على رداءة وقصور الخدمات التي تقدمها. خذ على سبيل المثال تعامل البلدية أو الهيئة العامة للبيئة مع الشكاوى المتعلقة برداءة خدماتهما، فلقد كتب الكثير عما يمثله مردم نفايات القرين من خطورة بالغة على صحة سكان المنطقة، وبيّن عدد من الكتّاب، ومنهم كاتب هذه السطور، أكثر من مرة تقاعس الجهات الحكومية المعنية مثل البلدية والهيئة العامة للبيئة وإهمالهما لهذه المشكلة البيئية الخطيرة التي تؤثر مباشرة على الناس، وهو ما اعترف به وزير البلدية أثناء جولة له في مردم القرين في بداية هذا العام، حيث أكد أن «هناك ثمنا فادحا سندفعه لهذا الإهمال»، (وكأنه غير مسؤول، بحكم منصبة، عن هذا الإهمال!).

ورغم كل ذلك، فإن الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الإهمال الخطير الذي سيذهب ضحيته سكان المنطقة لم تكلف نفسها بتوضيح الحقائق للرأي العام، ولم تبين للناس كيفية تلافي هذا الإهمال الخطير ومعالجته حتى يطمئن المواطنون أنهم يتنفسون هواء نقيا، وأنهم بمنأى عن الأمراض المستعصية التي يسببها مردم القرين. فماذا يُسمى ذلك غير أنه عدم اهتمام بشكاوى الناس وعدم مبالاة بانتقاداتهم؟

لذلك فإن المسؤولية الآن ملقاة على عاتق ممثلي المنطقة من أعضاء مجلسي الأمة والبلدي لتحمل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية. فهل يا ترى نرى منهم تحركا إيجابيا يجعل الأجهزة الحكومية تقوم بمسؤولياتها لوضع حد لهذه المشكلة التي تقاعست عن حلها رغم خطورتها على صحة سكان المنطقة؟ أم أن صفة الإهمال وعدم المبالاة ستنطبق عليهم هم أيضا؟

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء