بلد الرغوة

نشر في 01-03-2010
آخر تحديث 01-03-2010 | 00:00
 أ.د. غانم النجار من الصعب فهم أن تكون الرغوة ممنوعة قانوناً وموجودة في أعيادنا الوطنية بهذه الكثافة، وينطبق ذلك أيضاً على الألعاب النارية. يقال إن سبب الصمت المشبوه عن ترويج وبيع مواد محظورة يعود إلى أن من يستوردونها هم من أصحاب النفوذ، الذين يستعصي عليهم القانون، ويتبخر ذلك القانون كما الرغوة، ودخان الألعاب النارية أمام نفوذهم، وإن كنت أظن أن المسالة أعقد من ذلك، إذ قد تندرج تحت ذهنية الدولة الرغوية.

في السنوات الأخيرة برزت على السطح استخدامات لمصطلحات جديدة لوصف الدول، فهناك الدولة الفاشلة وشقيقتها الدولة الرخوة، وكذلك الدولة المتشكلة، والدولة الإحلالية، وغيرها. ويعد أحد أبرز معالم الدولة الرخوة عدم الالتزام والتجاهل التام في تطبيق القانون، فسيادته، أي القانون، تكون حسب المشتهى وحسب العين المفتوحة وإغلاق العين الأخرى.

تذهب أغلب الدراسات إلى أن إنتاجية الموظف عندنا تتراوح ما بين خمس وثماني دقائق، لذلك فمن غير المفهوم منح الإجازات، فموظفونا هم في إجازة «خلقة»، فيوم عملهم (بعد تجميع الخمس دقائق) يساوي 72 يوماً، وبالتالي فإن عمل أسبوع (أي خمسة أيام) بموجب هذه الحسبة يساوي 360 يوماً، أي سنة كاملة، لذا فإنه من الأفضل إعادة النظر في طبيعة الدوام الرسمي وتحويله إلى طريقة «التايم شير»، أي ان لكل موظف دوام أسبوع كامل في السنة، يختاره حسب ما يشاء، وبإمكانه أيضاً استبداله أو إحلال عامل آسيوي مكانه، أما ما زاد على ذلك الأسبوع فهو إجازة شرعية ومشروعة. فلا بأس، فنحن في بلد الرغوة والألعاب النارية.

بالطبع لا عزاء هنا للموظفين الجادين الذين يقومون بعملهم على أتم وجه، وهم قلة، فلهم ميزة شراء أو بيع، لا فرق، أسابيع عملهم الإضافية حسب أسعار السوق. كذلك هناك عدد كبير من الموظفين صغارهم وكبارهم ممن ليست لديهم مكاتب في أماكن عملهم، ولم يسعد زملاؤهم في العمل بطلَّتهم البهية منذ سنوات، ومع ذلك فهم يتسلمون رواتبهم كاملة دون نقصان.

هذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني، وتشجع عليها الحكومة والشعب جمهوراً ونواباً.

استحداث نظام «التايم شير» في العمل الحكومي سيساهم إلى حد كبير في التخفيف عن المطارات أيام الإجازات، كما أنه سيساهم بصورة رائعة في خطة التنمية، فلا تنمية بدون إبداع.

أما الرغوة الممنوعة والألعاب النارية المحظورة فهي ليست إلا أدلة بسيطة على ترهُّل الدولة، فالرغوة الممنوعة تباع على أرفف الجمعيات التعاونية، ولا أحد يتساءل كيف دخلت البلاد، وكيف وصلت بهذه الكثافة تحت أنظار كل الجهات المسؤولة، والألعاب النارية، حسب المصادر الموثوقة، تباع في سوق الجمعة والمشاتل وسوق السمك، ولا أعرف لماذا سوق السمك بالتحديد، فلربما توضع على علبتها صورة سمكة، وتباع كسمك، من يدري؟

واقع الحال هو أننا سنجد أمثلة مشابهة في كل المجالات، سيتضح لنا حينئذ إلى أي درجة هناك تجاهل لتطبيق القوانين، مما يدخلنا في قائمة الدول الرخوة، إلا أنه حتى يتم التأكد من درجة الرخاوة تلك، فإنه بات مؤكداً أننا نعيش في دولة الرغوة، جلبةً وضوضاءً وضجيجاً، ولكنه يتبخر حال إطلاقه.

سامي الرشود:

رحل عنا في الأمس القريب دون سابق إنذار الصديق سامي الرشود، كان، رحمه الله، من تلك الشخصيات النادرة، خفيض الصوت، ولكنه لم يكن يوماً قليل المبادرة، بل كثير الحركة في كل الاتجاهات، لا يعادي أحداً، ولا يهادن في الحق، غير مدعٍ، وغير مغالٍ، قادنا في عملنا لاستعادة أسْرانا من العراق، فلم يقصر ولم يتوان ولم يتخلف، وها هو يرحل عنا فجأة، وهو في عز عطائه، ليترك مكانه ألماً يعتصر قلوب من أحبوه، رحمك الله يا أبا مهند، وألهم أهلك الأوفياء الصبر والسلوان. 

back to top