إيران: الزلزال قادم!!

نشر في 18-06-2009
آخر تحديث 18-06-2009 | 00:00
 صالح القلاب وكأن الزمن عاد ثلاثين عاماً، فعشية اندلاع الثورة الإسلامية في فبراير عام 1979 اعتاد أن يأتيني في مكتبي في صحيفة "السفير" رجل مُعَمَّمٌ، من منطقة البقاع اللبناني في غاية التهذيب وفي منتهى الاناقة المظهرية والاخلاقية، اسمه حسين الموسوي، وكان في معظم الأحيان يأتي بأوراق وبيانات تُعرِّف بالامام الخميني الذي كان لايزال يرابط في النجف الأشرف، وتبشر بزوال حكم الشاه محمد رضا بهلوي وسقوط عرش الطاووس.

كانت في تلك الفترة المبكرة تنطلق مظاهرات "طيَّارة" يقودها المعممون في مدينة "قم" المقدسة التي تحتضن مرقد السيدة معصومة شقيقة الإمام علي الرضا، الإمام الثامن لدى الشيعة على المذهب الجعفري الاثني عشري، والتي فيها أهم حوزة بعد حوزة النجف الأشرف كان قد درس فيها الإمام الخميني، وكان من خلالها قد كوَّن الخلايا السرية لثورته قبل أن يذهب منْفياً إلى تركيا، ومنها إلى العراق، ثم إلى الكويت مرورا إلى فرنسا حيث عاد من هناك إلى طهران، محققا أهم انتصار عرفته سنوات العقدين الأخيرين من القرن العشرين.

ما كنت استقبل أوراق وبيانات السيد حسين الموسوي بأي اهتمام وجدية، وكنت لا أصدق أن المظاهرات "الطيارة" التي كانت تنطلق في "قم" وتواجه برصاص وهراوات الأجهزة الشاهنشاهية القمعية ستتحول إلى ثورة شعبية جارفة وعارمة، وستسقط النظام الذي كنا نعتقد أنه الأكثر رسوخاً في المنطقة، وأنه محروس بسطوة جهاز "السافاك" المرعب ومحمي برعاية المخابرات الاميركية الـ "سي.آي. أيه".

كان حسين الموسوي يرى غير ما نرى ويعرف أكثر كثيرا مما كنا نعرف، ولذلك فإنه كان يقول بابتسامة وقورة طيبة عندما يلمس استخفافا من قبلي ببياناته وأوراقه: إن عرش الطاووس الذي تعتقد انه اكثر رسوخا من جبال "صنين" هو عرش كرتوني وان الثورة قادمة ولا ريب فيها، وسيكون ذلك اليوم قريبا الذي سألتقيك فيه في طهران، وعندئذ ستتأكد من ان ارادة الشعب الايراني أمضى من أسلحة "السافاك" وان عمائم الائمة اصدق من أوسمة ونياشين جنرالات محمد رضا بهلوي.

وذهبت الايام وفوجئت، وأنا اقف في باحة مدرسة علوي في شمالي طهران وأتابع صيحات المتظاهرين الذين كان يطل عليهم الخميني، رحمه الله، من شرفة عالية ويلوح لهم بيديه، بيد تلامس فالتفتُّ وإذا بالسيد حسين الموسوي امامي وجها لوجه وإذْ به يقول والابتسامة الملائكية تعلو محياه وهو يحاول تعديل عمامته السوداء فوق رأسه: "ها نحن نلتقي في طهران يا صديقي، وها هي الثورة قد انتصرت، وها هو الرجل العظيم الذي طالما حدثتك يقف امام الشعب الذي انجز معجزة الثورة".

الآن هناك شيء هام يجري في ايران قد لا نستطيع التخمين بصورة قطعية بالنهايات التي سينتهي اليها، لكن من لديه معرفة ولو متواضعة بتاريخ هذا البلد وبتاريخ هذه الامة عليه أن يتوقع زلزالاً كبيراً إن ليس في المدى المنظور فعلى المدى الأبعد.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top