خطايا «الزعيم»

نشر في 27-06-2010 | 00:01
آخر تحديث 27-06-2010 | 00:01
على الرغم من الاستهجان الواسع الذي أثارته تصريحات "الزعيم"، فإن الأخطاء الحقيقية التي وردت في هذا الحوار لم تكن تتعلق بالبرادعي، ولكنها كانت تتعلق بفهمه للعلاقات المصرية- العربية من جهة، وللفن ودوره في المجتمع وطبيعة وجود المرأة في المجال الفني من جهة أخرى.
 ياسر عبد العزيز يستحق الممثل الكوميدي المصري عادل إمام الثناء والتقدير النسبي، على الأقل لكونه استطاع مواصلة العمل على مدى 46 سنة بإصرار ودأب واضحين، في مجال يتسم بالالتباس والصعوبة، كما رفد صناعة الفن في بلاده بنحو 113 فيلماً، وسبع مسرحيات، ومسلسلين، واستطاع المحافظة على مكانته في صدارة ممثلي الكوميديا المصريين، بل فناني جيله بوجه عام، رغم تغير الأوضاع، وتبدل الأذواق، وشراسة المنافسة.

لا أعتقد أن ثمة من يجادل في أهمية المكانة التي بات هذا الممثل يحتلها في الجسم الفني العربي عموماً، خصوصا أن أعماله وجدت رواجاً لافتاً ومستداماً في دول المنطقة كلها، ونالت إعجاب أكثر من ثلاثة أجيال متعاقبة، وبات وجود اسمه على رأس فيلم أو مسرحية ما جواز مرور سهل لتحقيق النفاذ وحصد الأرباح الوفيرة، أياً كانت طبيعة المنتج، ومهما غابت عنه شروط الإنتاج اللازمة.

لكنني رغم كل ما سبق، لم أشعر يوماً بأن عادل إمام قدم للفن والمجتمع العربيين عموماً شيئاً ذا قيمة تتناسب مع حجم ما حصل عليه من عوائد ومزايا وإطراء. لا ينفي هذا أنه قدم أعمالاً، لا تزيد على عدد أصابع اليدين، يمكن أن توصف بأنها مميزة بحق، خصوصا تلك الأعمال التي شاركه العمل فيها المبدعان الكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة؛ مثل "طيور الظلام"، و"اللعب مع الكبار"، و"الإرهاب والكباب"، و"النوم في العسل"، أو تلك التي أخرجها له مخرجون مميزون؛ مثل شريطي "حب في الزنزانة"، و"المشبوه"، ومسلسلي "أحلام الفتى الطائر"، و"دموع في عيون وقحة".

وظل تقييمي لمعظم ما تبقى من أعماله، وهو يفوق المئة عمل، أنها مجرد سينما اسكتشات، هزلية بكل معنى الكلمة، قائمة على التسلية، عبر التسطيح والمباشرة الفجة، ولم يكن هذا هو الإشكال المهم الذي يمكن أن يجده المرء في أعمال هذا الفنان، لكن المشكلات الحقيقية تظهر في نوعية القيم الأخلاقية التي كرسها في أعماله، ودأبه أحياناً على الترويج للابتذال، والتشوهات التي أدخلها على الصناعة، بسبب تحكمه بالإنتاج، ومغالاته في الأجر، وسطوته على المشاركين، وأخيراً محاولاته الدائبة لتكريس صورة تقدمه على أنه "سوبرمان، الوسيم، القوي الذي يصرع عشرات الرجال بالقبضة العارية، والجذاب الذي يسبي مئات النساء بالنظرة الساحرة"، رغم عدم واقعية تجمع تلك المزايا كلها في شخص واحد في الأساس.

لكن تلك المآخذ، إن صح أنها كانت ذات اعتبار، لا تقيم سبباً لتوجيه نقد غير فني للرجل، فجميعها يظل، نسبياً، متعلقاً بالتقدير والمزاج، وصعب البرهنة عليه علمياً، وبناء توافق عام إزاءه، أما ما حدث في منتصف العمر الفني لإمام، على صعيد تمركزه في المجال العام، بوصفه شخصية عامة، تتحدث في الفكر والأدب والسياسة والأخلاق، فهو أمر يستحق الوقوف أمامه بمزيد من الانتباه والحرية في النقد والتقييم.

من بين ما أنجز إمام من أعمال، شريط باسم "الهلفوت"، ومسرحية بعنوان "الزعيم"، ورغم أنه أدى الدورين بتقمص عميق للشخصيتين، فإنه حصل لنفسه على لقب "الزعيم"، بوصفه "زعيم الفنانين" أو "زعيماً وسط الفنانين"، في ما لم يلتصق به لقب "الهلفوت" أو "المشبوه" في أي وقت من الأوقات.

ومع ترديد لقب "الزعيم" على عادل إمام، بدأ الرجل يدلي بآراء في شتى مناحي الحياة، وهي آراء اعتبرت صادمة ومتذبذبة وحادة، ولاقت جدلاً كبيراً، الأمر الذي اضطره في أحيان عديدة للتراجع عن بعضها.

في يوم 22 يونيو الجاري، بدأت صحيفة "المصري اليوم" القاهرية نشر حوار مطول مع "الزعيم"، شن فيه حملة شعواء على المرشح الرئاسي المحتمل في مصر محمد البرادعي، إلى حد أنه قال: "البرادعي يعتبر أنه زعيم مثل غاندي ومارتن لوثر، وأنا أنصحه بأن ينتقي ما يقوله وإلا سيصبح كوميدياً... الوصول إلى الرئاسة يجب أن يكون عن طريق الدستور وليس عبر زيارة المساجد ودور العبادة"، فيما أعلن تأييده الواضح للرئيس مبارك ونجله، في حال ترشحه للرئاسة، منتقداً مناهضي "التوريث"، الذين وصفهم بأنهم "يتحدثون عن التوريث وكأن جمال مبارك بتاع بطاطا".

وعلى الرغم من الاستهجان الواسع الذي أثارته تصريحات "الزعيم"، فإن الأخطاء الحقيقية التي وردت في هذا الحوار لم تكن تتعلق بالبرادعي، ولكنها كانت تتعلق بفهمه للعلاقات المصرية- العربية من جهة، وللفن ودوره في المجتمع وطبيعة وجود المرأة في المجال الفني من جهة أخرى.

ومما قاله إمام في هذا الصدد: "أشعر أن هناك مؤامرة ضد الفن المصري، فبعد أن أجرت الدول العربية دراسات لمعرفة سبب قوة مصر بين الدول العربية اكتشفت فى النهاية أن الفن هو السبب الرئيسي في ذلك، لذلك فإن شركات إنتاج وقنوات فضائية عربية مثل (إيه. آر. تي) رفضت تمويل الأفلام المصرية، ولهجة الغناء بدأت تنحاز لـ(الخليجي)، لكن لن تستطيع لأن الفن المصري سيظل صامدا".

ومما قاله عن سبب منعه ابنته من العمل في مجال الفن: "أنا ذلك الرجل الشعبي الذي ولد في حي الحلمية لأسرة متوسطة، ويتحلى بنفس عادات وأخلاقيات الطبقة الوسطى، بالتأكيد لن أكون سعيداً عندما أشاهد ممثلاً يقبل ابنتي، وليس منطقياً بعدها أن أبدي لها فرحتي بقولي الله البوسة كانت حلوة".

صدّق الممثل الكوميدي نفسه، وظن أنه بات "زعيماً"، فراح يتجاوز حيال شخصية بحجم الدكتور البرادعي، ويطلق إزاءها "الإيفهات" المسيئة، وكشف عن استهداف ممقوت للمجال العربي الذي ساهم في منحه، ومنح الفن المصري، المكانة والنفاذ والاعتبار، وأخيراً وجه إساءة بالغة لجميع الفنانات اللائي صدقن كونه "فناناً"، وتشاركن معه القبلات في الأفلام، ولجميع المنتجين والمخرجين والفنيين والمشاهدين الذي تفاعلوا مع تلك القبلات باعتبارها "فناً"، وأخيراً فقد هز فكرة الفن ذاتها، ووضع السنوات الـ46، التي يفخر بما أنجزه خلالها، في مهب الريح.

* كاتب مصري

back to top