الحرب الطائفية تبحث عن فرسانها

نشر في 12-08-2009
آخر تحديث 12-08-2009 | 00:00
 أحمد عيسى قبل عامين شهدنا أزمة التأبين، والعام الماضي تم ترحيل السيد الفالي، وهذا العام تعديل المناهج الدراسية، ومجلة الفرقان، وصراع ثوابت الأمتين الشيعية والسنية، وكأن الكويت على موعد مع الفتنة الطائفية كل عام.

الكويت لمن لا يعرفها جيدا، وشاءت أقداره أن يتابع أخبارها من بعيد، يعتقد أنها بلاد شاسعة، تعدادها السكاني يفوق المليار، تشهد صراعا طائفيا، بين طوائف وملل نسيجها الاجتماعي، وربما، في مرحلة منه، سيعيد أحدهم رسم خريطة العالم الإسلامي، ويكتب بقلمه صفحة جديدة في التاريخ، تخلو من الشيعة أو السنة، ويكون وقعها أشد وطأة من مشايعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم تولى الخلافة الإسلامية بعد مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، عام 35 للهجرة 655م.

لن أخوض في تفاصيل الخلاف الشيعي-السني، لأن ما يفصلنا عن أساس المشكلة 1354 عاما ميلاديا (فقط ألف وثلاثمئة وأربعة وخمسون عاما ميلاديا لا غير)، فنحن اليوم نعيش في العام 1430 للهجرة الموافق 2009 ميلادي، ولايزال يعيش معنا من يريد تصحيح التاريخ، كل من وجهة نظره، وبحسب قناعاته، وهناك متطرفون من الجانبين، وكل يربط وجوده السياسي والاجتماعي بمدى تعصبه وتخندقه خلف مذهبه.

الكويت دولة مدنية، والخلاف الشيعي-السني، خلاف مذهبي بحت، وأطرافه ومتطرفوه يتراشقون عبر وسائل الإعلام ما تنضح به قرائحهم، لذا يتوجب على وزارة الإعلام تطبيق القانون، وإحالة المخالفين إلى القضاء لإنهاء هذه المسألة، وفي حالتنا قانون المطبوعات الذي حظر في الفصل الثالث منه مسائل عدة، من بينها البند رقم 7 من المادة 21 والذي يحظر «المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم الدينية والحض على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع... (إلى آخر المادة)».

لن أعيد ما سبق أن ذكرته حول غياب دور وزارة الإعلام في حادثتي التأبين أو السيد الفالي، اللتين قادتا إلى شق الوحدة الوطنية، وشرخ النسيج الاجتماعي لأن من وقف خلفها مؤسسة إعلامية أرادت تصفية خصومها سياسيا، وتلعب على الوتر الطائفي بغرض الإثارة، لكن أنبه هذه المرة إلى أن أول من تناول موضوع تعديل المناهج ومجلة الفرقان، وأفسح مجالا للمتطرفين الشيعة والسنة، هو نفس المؤسسة، حتى تصدت لها مؤسسة إعلامية أخرى، فتحول النقاش إلى «ردح»، بين متطرف يبعث برسالة عبر خدمة أخبار هاتفية، ليرد عليه آخر برسالة عبر خدمة أخرى، فيدخل على الخط متطرف آخر، ليفزع متطرف جديد لفريقه وهكذا.

الحروب القديمة كانت تبدأ بنفس ما نشهده اليوم، يصطف الجيشان بمواجهة بعضهما، يتقدم مبارز يبحث عن المجد والشهرة، ويسأل بصوت عال أن يقاتل نظيرا له من الفريق الآخر، وأحيانا يطلبه بالاسم، يتقدم المبارز من الطرف المقابل، تبدأ المنازلة، يتقاتلان حتى يصرع أحدهما الآخر، ثم ينادي القاتل على ضحيته الجديدة، فيتقدم باحث آخر عن المجد، فيتصدى له، فيتصارعان حتى يقتل أحدهما الآخر، ثم يلتحم بعدها الجيشان، وتستباح الدماء، وتزهق الأرواح، لتنتهي لاحقا الحرب وتعلن الهدنة بين الفريقين، وتوزع الغنائم، وينتظر التاريخ، حادثة جديدة، تشهد تقدم مبارز يبحث عن المجد والشهرة، ليقابله آخر، وهكذا دواليك.

مشكلتنا أننا أسرى التاريخ، لا نريد النظر إلى المستقبل، وعيوننا مثبتة خلف رؤوسنا تنظر إلى الوراء دائما، ولدينا متطرفون سنة في الكويت يريدون إقصاء شيعتها، أما متطرفو شيعة الكويت فيريدون تصويب التاريخ العائد إلى 1395 سنة هجرية (فقط ألف وثلاثمئة وخمس وتسعون سنة هجرية لا غير)، وكلاهما يلعب بالنار، مستمتعين بالعيش على أرض نفطية سريعة الاشتعال، وعقلاؤنا ملتزمون الصمت، والمسؤولون عن تطبيق القانون هم أول من يتجاهلونه، والمعنيون بالمراقبة متراخون عن أداء دورهم.

لدينا اليوم مبارز، صاح في الجيش الآخر، هل من مبارز؟، فتصدى له آخر، لا يزالان يتصارعان، لم يقتل أحدهما الآخر حتى الآن، لكن إن حدث ذلك، حتما لن يفيدنا التاريخ الإسلامي، ولا مآثر الصحابة رضوان الله عليهم، ولا تفاصيل حرب الجمل وموقعة صفين، ولا أي الفريقين وقتها كان على حق، ولا أيهما أصوب «حزب الله» أم «القاعدة؟، لأننا بكل بساطة سنكون منشغلين بالبقاء على قيد الحياة وسط الحرب الأهلية، فهل يعي المؤتمنون على البلاد والعباد ما يحدث؟ وكم أتمنى ألا أخشى ذلك.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top