منذ قرار وزيرة التعليم العالي السابقة نورية الصبيح بدعم من مجلس الوزراء بوقف الالتحاق بالجامعات العربية والأجنبية الهابطة، وتحقيق صحيفة «القبس» قبل أسبوعين حول القضية، وأنا أتابع تصريحات المدافعين عن تلك الدكاكين القائمة على الغش والتزوير وبيع الشهادات والنزول عن الحدود الدنيا للمعايير الأكاديمية، وفيما يلي أبرز الحجج التي ساقوها في دفاعهم مع التعليق عليها:

Ad

*(الطلبة المسجلون في الدكاكين الموقوفة: يجب ألا يكون القرار بأثر رجعي، فقد تكبدنا أعباءً مالية).

صحيح أن هناك قاعدة قانونية تقول إن القرارات تسري على ما يأتي بعدها، وصحيح أن وزارة التعليم العالي تتحمل المسؤولية الأكبر في المشكلة، ولكن إسمحوا لنا، ليست هذه المرة. كنا سنساند حجتكم لو كانت تبعاتها عادية ولا تنسحب أضرارها على غيركم، ولكن ليس عندما يتخرج منكم بشهادات مضروبة أطباء سيحكمون غرفة العمليات ومهندسون يصممون الجسور، فأعباؤكم المالية التي صرفتموها على دكاكين التعليم لا تعني شيئاً مقابل ضرر عبثكم بأرواحنا وأجسادنا. والتسوية الوحيدة المقبولة هي أن تعوضكم الوزارة مادياً تحملاً لمسؤوليتها في السماح لكم بالالتحاق بتلك الدكاكين، فهذا أقل ضرراً من استمراركم وانخراطكم بسوق العمل.

*(طلبة أيضاً: الجامعات باتت تتعسف معنا بعد إيقاف الالتحاق بها).

حجة لا قيمة لها. فأولاً، الإيقاف يعني أن خريجيها غير مرغوب فيهم، سواء تعسفت أم تساهلت معهم. ثانياً، هذه ليست حجة بل إدانة إضافية ودليلاً على أن هذه الدكاكين فعلاً رخيصة وساقطة، فلو كان الأستاذ محترماً في جامعة محترمة فعلاً لما خلط بين تقييم أداء الطالب في المادة وعلاقة الجامعة بالدول وجهات الاعتراف. الأستاذ المحترم يقدس رسالته الأكاديمية ولا يستغل سلطته المطلقة على الدرجات لتصفية حسابات لا تتعلق بالأداء الدراسي للطالب.

*(مسؤولة التعليم العالي «إياها» أمام إحدى اللجان البرلمانية: الطلبة سيقاضون الوزارة وهذا هدر للمال العام)

إذا كان القرار سيترتب عليه أحكام قضائية بغرامات وتعويضات، فليكن. فتلك نتيجة تقاعس الدولة ممثلة بوزارة التعليم العالي عن القيام بدورها، وبذلك فهي تكلفة مستحقة تحقق الحد الأدنى من الإنصاف تجاه الدولة وأبنائها المخلصين الذين بحثوا عن التعليم الجيد في جامعات مرموقة، بل يجب دفعها والرأس مرفوع بفخر انتصاراً لجودة التعليم والأمانة والأخلاق. كما أنه ليس أشد هدراً للمال العام سوى حصول أفواج من المواطنين على شهادات مضروبة يستخدمونها في اختطاف فرص عمل وترقيات لا يستحقونها ويحرمون المجتهدين منها.

بعد هذا الرصد السريع تتجلى أمامنا حقيقة أن مفهوم التعليم بات ملوثاً حتى في عقول الساعين إليه والقائمين عليه، فطلبة الفلبين يتحججون بأن «شراء الشهادات في كل مكان، فلماذا التركيز علينا؟» ما يبين أنهم غير مستوعبين فداحة ما يتحدثون عنه كونه رشوة وخيانة أمانة، بينما مسؤولة التعليم العالي جنحت إلى الأسلوب الأسهل والأكثر سطحية بإستثارة العواطف من خلال رمي «تابو المال العام» في الكلام.

على الرغم مما تقدم، يبقى التفاؤل قائماً بوجود د. موضي الحمود على رأس الوزارة، والتغيير الذي طرأ على اللجنة التعليمية في مجلس الأمة بدخول النائبتين د. أسيل العوضي ود. سلوى الجسار، وترؤس النائب د. حسن جوهر للجنة، وهو المعروف عنه تصديه المعلن لهذه القضية، متمنياً أن يترجم هذا التفاؤل إلى تمسك الوزيرة بالقرار كحل مؤقت بينما يجتهد أعضاء اللجنة بإيجاد حل دائم عبر إنشاء هيئة للاعتماد الأكاديمي.