الاحتجاج البرلماني له أساليب عدة، أحدها هو الانسحاب من الجلسة، وهو تعبير سياسي لا قيمة قانونية له ما لم يؤدِّ إلى فقدان النصاب القانوني للجلسة، وهناك حادثة فريدة من نوعها أدت إلى فقدان النصاب كانت في جلسة 11 نوفمبر 1992، عندما كان الموضوع المطروح حول الأسرى، وحين ثار أهالي الاسرى على عدم جدية النواب في مناقشة قضية الأسرى، وانسحبوا احتجاجاً إلى قاعة داخلية بالمجلس، اضطر العديد من النواب إلى الخروج من الجلسة لتهدئتهم، ما أدى الى فقدان الجلسة نصابها. كانت تلك من الجلسات النادرة، ربما التي ادى فيها انسحاب الشعب الى فقدان النصاب، مضيفة بُعداً رمزياً للممارسة الديمقراطية لا يمكن تجاهله.

Ad

ويبدو أنه حتى اللحظة، فإن اهم انسحاب لنواب من الجلسة كان ذلك الذي تم في أواخر سنة 1964. وتتلخص تلك الحادثة حين تقدم رئيس الوزراء آنذاك الشيخ صباح السالم بحكومة جديدة في ديسمبر 1964، ونظرا إلى معارضة عدد من النواب لتلك الحكومة لأسباب متعددة، اضافة الى ارتباط بعض النواب بأحد افراد الاسرة الحاكمة، والذي كان رافضا للتشكيل الحكومي، فقد الْتئم ما يقارب 28 نائباً، وقرروا عدم دخول الجلسة، الامر الذي ادى الى فقدانها النصاب القانوني المطلوب، وبالتالي عدم تمكن الوزراء الجدد من اداء القسم الدستوري. كانت الحجة المعلنة لذلك الفعل الاحتجاجي هي أن تعيين بعض الوزراء الجدد يخالف المادة 131 من الدستور، التي تمنع الجمع بين المنصب الوزاري ومزاولة العمل التجاري. كان امير البلاد الشيخ عبدالله السالم خارج البلاد حينها، واضطر إلى العودة للتعامل مع الازمة، ولم يستجب لطلب رئيس الوزراء بحل مجلس الامة، بل طلب منه تشكيل حكومة جديدة تتوافق مع اعتراضات مجلس الأمة، وهكذا كان، تشكلت حكومة جديدة، ولم تواجه اعتراضا، إذ لم يكن سبب الاعتراض الحقيقي هو المادة 131، بل خلاف سياسي، ولم يتحول ذلك الانسحاب إلى حالة. هكذا هي السياسة، لا يعكس المعلن منها بالضرورة حقيقة ما يجري.

وأمس انسحب 14 نائباً من جلسة اداء القسم الحكومي، وعلى الرغم من عدم وجود أثر قانوني للانسحاب، فإنه من المهم ان يقرأ قراءة سياسية. فبغض النظر عن تنوع وتعدد الاهداف ومبررات المنسحبين لكنه من المهم التعامل مع الموضوع بصورة أكثر جدية، فاحتمالات تحوله الى حالة أمر وارد وممكن في ظل مقاطعة التيارات السياسية للمشاركة في الحكومة، ولذا لا يجب التقليل من شأن انسحاب أمس بمجرد انه لا أثر قانونيا له، وقد يكون البعد السياسي اكثر اهمية.

ويبقى اعلان الاحتجاج بالانسحاب حقاً لأي نائب، مع حقنا في معرفة أسباب ذلك الانسحاب، اما ما جرى في الجلسة من مخالفة للائحة الداخلية، سواء في نص القسَم، ومداخلات النواب، خروجاً على جدول الاعمال واللائحة الداخلية، كما اشار النائب احمد السعدون، فهي مسائل يفترض ان يتم التعامل معها بجدية اكثر، وأن يتم توضيحها بشكل لا يحتمل التأويل لجميع النواب، ويستلزم صرامة اكبر من رئاسة مجلس الامة.

عندما بدأ مجلس الأمة اعماله عام 1963 كان النواب يستعينون بالخبير الدستوري لتبيان ما التبس الأمر فيه دستورياً من تعارض مع اللائحة، أما الآن فقد ضاعت الطاسة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء