كلما رأيت الإدارة الحكومية الحالية تذكرت حادثة جرت لنا في القاهرة في ريعان المراهقة... هنّ أربع حسناوات سمراوات خليجيات يقفن على مبعدة منا، ونحن ثلاثة حسناوين كويتيين نقف على مبعدة منهن، والبادئ أظلم. أسمن حسناوي فينا بحجم عود الكبريت، والأكبر لم يصل إلى العشرين من عمره، وأنحف حسناوة منهن بحجم خزان النفط، وأصغرهن أمّنت مستقبل أحفادها قبل أن تقف معنا في الطابور أمام باب الديسكو.

Ad

ولأن الديسكو يمنع دخول العزّاب، فقد استجديناهن النصرة، وطلبنا منهن مساعدتنا في الدخول إلى الديسكو تحت لوائهن المظفّر، وتعهدنا لهن أن نتركهن في حال سبيلهن بعد عبور الباب، فوافقن فرِحاتٍ بهذا الصيد الوفير الذي لم يكن على البال ولا على الخاطر، وما إن تجاوزنا الباب حتى سلكنا اتجاهاً آخر كما وعدناهن، لكنهن شبطنَ بنا شبطاً مبيناً.

حاولنا التهرب بالتي واللتيا والذي واللذيا، ولا فائدة، فدخول الحمام ليس كخروجه. وتحلقنا حول الطاولة، فبادرتني الجالسة إلى جواري: شلونك، كيف الحال؟ فأجبتها: بخير، أنتِ شلونك وشلون ثمود وعاد وأساطير الأولين والجماعة كلهم؟

وازداد الطين بلّة عندما طلبت إحداهن من صديقي مراقصتها، واستعانت بنا لنساعدها على النهوض من كرسيّها، فساندتُ صديقي في محنته وهمستُ له: «شدّة وتزول، شد حيلك»، وما إن انتهيت من جملتي حتى طلبَت الأخرى مني مراقصتها، فشكوتُ إليها الحال، وقلت لها إنني وحيد أهلي ومعيلهم، ولا فائدة، تشبّثن بنا كأنهن مصابات بمرض التوحّد الذي يدفع الطفل المريض إلى التشبث بلعبته، حتى لو تهشّمت في يده. وحكومتنا لن تترك إدارة الدولة حتى تتهشم «اللعبة» في يدها.

ويميناً بالله أنا مع الحكومة في مشاريعها التي أعلنتها، حتى لو تضاعفت المبالغ وتكدّست العمولات، المهم أن يتحرك شيء على الأرض، فأر، جربوع، أي شيء يدل على الحياة في هذه الأرض الجرداء. فنحن أمام خيارين خيّرتنا الحكومة بينهما، فإما أن نقبل إنشاءَ محطة كهربائية بعقدٍ مبالغٍ فيه، ومشكوك في صحة نَسَبه، أو أن نعيش على «مهفّات سعف النخيل» كما كانت تفعل أميرات أوروبا في القرن التاسع عشر. ولأننا لسنا مجانين، ولأن الفلوس رايحة رايحة، فسنوافق على إنشاء المحطة، وسندبج مقالات المديح وقصائد الثناء في الحكومة، في هذا الزمن الأصفر، الزمن الذي أصبحت فيه الضباع الكامنة في الحشائش تشكك في وطنية الشرفاء من الكتّاب والنواب، وتتجاهل خبر اعتقال حدّاقة كويتيين على أيدي البحرية الإيرانية، وتتباكى على أحوال الحوثيين في اليمن، فاليمن أقرب من الفروانية. أبوك زمن.

* * *

تهانينا للصديق المحامي الحميدي السبيعي بمناسبة افتتاح جريدته الإلكترونية «رقابة». وهي كما يبدو من اسمها لن تتحدث عن الطرب والجمال والديكور والشعر والمسرح والرواية، بل ستكون متخصصة في السياسة، كما أظن. ولأن ناشرها محامٍ فستتقن الزميلة «رقابة» الحوم حول الحمى من دون السقوط في ما حرّم القانون... مبروك يا زميل، وبالصداع والبنين.