"حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون" (مادة 36 من الدستور).

Ad

التعديلات التي تنوي الحكومة إدخالها على قانوني "المطبوعات والنشر" و"الإعلام المرئي والمسموع" ثم إحالتها بصفة الاستعجال إلى مجلس الأمة، هي باختصار تقييد جديد لحرية الرأي والتعبير بعقوبات جديدة مغلظة يضاف إلى العقوبات القاسية التي يتضمنها كلا القانونين بصيغتهما الحالية المقيدة للحريات أصلا، وهو ما يعني، في حالة إقرارهما، القضاء على حرية الإعلام والصحافة التي نتباهى بها، ناهيكم عن أن ذلك يتناقض مع المادة 36 من الدستور التي تنص صراحة على أن حرية الرأي مكفولة.

لقد كان هناك بعض التراكمات الكمية لبعض المشاكل والصراعات الطائفية والفئوية والعنصرية المقلقة التي كانت نتيجة لبعض السياسات الحكومية الخاطئة عبر السنين، والتي أدت إلى تغيرات وسلوكيات مجتمعية نوعية "تفجرت" وبرزت على السطح في الآونة الأخيرة على شكل خطابات كراهية وعنصرية ممجوجة، لكن، ورغم إدانتنا لكل ذلك، فإنه من قبيل الوهم الاعتقاد بأن هذه الصراعات الطائفية والفئوية والعنصرية ستتوقف بمجرد تقييد حرية وسائل الإعلام، لأن هذه الصراعات هي صراعات مجتمعية لها أسبابها الكثيرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العميقة والكامنة، لذلك فإنها، حتما، ستستمر ما لم يكن هنالك معالجات جذرية تتعدى معالجة مظاهرها المؤقتة لتصل إلى أسبابها الرئيسة، بحيث يكون أساسها الالتزام بتطبيق الدستور واستكمال بناء الدولة الدستورية الديمقراطية المعاصرة التي تكون فيها المواطنة الدستورية هي الأساس.

 من هنا فإنه من الظلم والتجني تحميل وسائل الإعلام والصحافة وزر هذه الصراعات الفئوية والطائفية التي تراكمت عبر السنين نتيجة لفشل الدولة في بناء المجتمع المدني الدستوري الذي يتسع للجميع، واستخدامها، أي الصراعات، كمبررات لتقييد حرية وسائل الإعلام والصحافة التي هي بمنزلة مرآة صادقة لما هو موجود أصلا في المجتمع، حيث تساعدنا هذه المرآة على كشف المشاكل والأمراض الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية التي نعانيها.

صحيح أن الأمر يتطلب وجود قوانين منظمة لوسائل الإعلام لكنها لا تتعدى كونها قوانين تنظيمية عامة يجب ألا تمس بأي حال من الأحوال حرية وسائل الإعلام.

لقد تطرقنا أكثر من مرة إلى خطورة «الانقلاب الناعم» على الدستور الذي يعني تفريغه من الداخل، وذلك بعدم تطبيقه أو بالالتفاف على مواده الصريحة والواضحة من أجل أن يصبح في النهاية شكلاً بلا مضمون وديكوراً فارغاً لا قيمة له، لذلك فإنه يتعين على القوى السياسية والمدنية كافة التحرك بشكل سريع لوقف محاولة تفريغ الدستور من محتواه، والتي تأخذ الآن شكل التعدي على الحريات العامة، ومنها حرية الإعلام والصحافة.