دورة الروضان وخصخصة الاندية
لعل أحد أهم أسباب التخلف والفساد في البلد هو تضخم الجهاز الحكومي وسيطرته على جميع القطاعات والأنشطة تقريباً، بينما رأينا كيف أن تحرير بعض الأجهزة من سيطرته كان له نتائج إيجابية سواء بالنسبة للخدمات الإنتاجية أو المنفعة الاقتصادية، وأبرز مثال على ذلك قطاع الاتصالات المتنقلة، ولذلك أعتقد أن «دورة الروضان» الرمضانية تعد نموذجاً مشجعاً لتحرير قطاع الرياضة من السيطرة الحكومية.
فهذه الدورة تزداد تميزاً عاما بعد عام وصارت حديث البلد ولا أبالغ عندما أقول إن المشاركة فيها بحد ذاتها تشكل حلماً يراود الكثير من الشباب، والملفت للنظر أن هذه الدورة التي بدأت من الملاعب الترابية باتت محطة مهمة في شهر رمضان بحيث تنقل مباشرة كل يوم على التلفزيون وتنفق الشركات آلاف الدنانير على تقديم الهدايا وجلب اللاعبين المحترفين لفرقها المشاركة، مع أن الجوائز المخصصة للفريقين الفائزين بالمركزين الأول والثاني- التي تذهب في النهاية إلى اللاعبين- قليلة إذا ما قارناها بالمبالغ التي تدفعها الشركات على محترفيها. هذا يعني أن الشركات تهدف من خلال مشاركتها إلى تسويق أسمائها، وتعتبر هذه الدورة قناة إعلامية مهمة لزيادة رصيدها وتسويق منتجاتها.وهنا يأتي السؤال: ألا تعد هذه الظاهرة نموذجاً لخصخصة الأندية الرياضية المحلية مع تخصيص جوائز قيّمة من الدولة حتى تشجع الاستثمار في هذا القطاع الذي يشهد اهتمام رجال الأعمال حتى مع عدم وجود المردود المالي حالياً. فكم من رجل أعمال وصل إلى مجلس إدارة ناد وأنفق من حر ماله من أجل النادي دون أي مردود يدخل إلى جيبه، لأن الأندية بحد ذاتها باتت مظهراً مهماً للنفوذ الاجتماعي والوصول إلى مراكز أخرى أكثر أهمية في المجتمع. ولعل ما يدعو أيضاً إلى تغيير الوضع القائم في الأندية، هو مدى الفساد الذي استشرى في هذا القطاع سواء الفساد الانتخابي أو المالي، فالانتخابات قائمة على التسجيل العشوائي لمَن لا دخل لهم لا في الرياضة ولا حتى في الأندية، في كثير من الأحيان، بل باتت انتخابات الأندية ساحة أخرى للتناحر القبلي والطائفي والعائلي. فما إن تسيطر قبيلة- مثلاً- على مجلس إدارة ناد حتى يصبح جميع العاملين والمدربين ومندوبي النادي للاتحادات حكراً على تلك القبيلة بغض النظر عن الكفاءة، وذلك من أجل السفرات وشفط ميزانية الدعم الحكومي السنوية التي لا تميز بين الناجح والفاشل. وحتى الاحتراف الجزئي الذي استهدف دعم اللاعبين وتشجيعهم على العطاء بات أحد مظاهر الفساد، وذلك بتسجيل بعض اللاعبين وهمياً للاستفادة من هذا الدعم.إن القوانين الرياضية- التي عطّلتها الحكومة ومن ورائها أندية تكتل الخراب- ورغم أهميتها، فإنها لا تعالج أساس الخراب في الحركة الرياضية والمتمثل في الجمعيات العمومية، لذلك لابد من حدوث تغيير جذري في نظرة الحكومة والمجلس إلى الرياضة ليتحول من قطاع ريعي وبيروقراطي إلى قطاع حر منتج، وجاذب للاستثمار، وموظف للعمالة الوطنية عن طريق الاحتراف الكامل للاعبين والمدربين، حتى يفجروا طاقاتهم الإبداعية المدفونة، فالدول المجاورة سبقتنا إلى هذا الطريق بعدما كنا نسبقهم في أغلب الألعاب تقريباً عندما كنا جميعا هواة.نعم، الخصخصة بشكل عام ليست مثالية وهي بحاجة إلى ضوابط مفقودة إلى الآن مثل قوانين عدم الاحتكار وحماية المستهلك، لكن الاستمرار بهذا الوضع المزري أسوأ ما يمكن أن يحدث للرياضة التي ستظل تراوح مكانها في ظل عدم استيعابنا لتغير قواعد اللعبة.