الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي أمام تحديات السلام

نشر في 01-07-2009
آخر تحديث 01-07-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي لم تعد القضية الفلسطينية مهمة بالنسبة للإسرائيليين كما هي بالنسبة للفلسطينيين، فالإسرائيليون مطمئنون إلى وضع دولتهم، التي بنوها وشارفوا على استكمال بنائها، من كل النواحي، أما الفلسطينيون فمازالوا يحلمون بقضيتهم ودولتهم، التي لم يروها بعد ستين عاماً من التشرد والشتات.

- 1 -

يبدو أن مساراً جديداً في منطقة الشرق الأوسط سيأخذ طريقه مع عزم وتصميم وشجاعة إدارة أوباما، في أن تحلَّ هذه القضية التي مضى عليها حتى الآن ستون عاماً، فقد تمَّ في نصف القرن الماضي ومطلع هذا القرن حلُّّ وفضُّ معظم النزاعات السياسية في العالم، ولم يبق غير القضية الفلسطينية والقضية الكوبية.

ولعل تصميم وعزم وشجاعة إدارة أوباما، على متابعة هذه القضية، رغم أعباء هذه الإدارة الداخلية الثقيلة، هو ما شجع ودفع الكثير من مراكز البحث والرأي في العالم خصوصا في أميركا على إعادة فتح ملفات القضية الفلسطينية من جديد، والنظر فيها، ولكن بأسلوب جديد مختلف، تمشياً مع نظرة الإدارة الأميركية إلى هذه القضية.

- 2 -

مؤسسة «ٍSearch for Common Ground» الأميركية، مقرها في واشنطن ولها مكتب في بروكسل. وهي مؤسسة غير حكومية تعمل على فضِّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وعبر الحوار. وتلجأ إليها دول ومنظمات عالمية عدة، للمساعدة في الحوار مع الإدارات الأميركية المختلفة، وتقريب وجهات النظر. وقد لجأت سورية أخيراً إلى هذه المؤسسة، قُبيل تولّي إدارة أوباما السلطة. فهناك وفد سوري غير رسمي، زار أميركا بدعوة من هذه المؤسسة، من أجل بحث سبل التقارب والتفاهم بين سورية والإدارة الجديدة. واستهدفت هذه الزيارة، خلق أرضية إيجابية جديدة عن سورية، تسبق قدوم إدارة أميركية جديدة. وهو دليل واضح إلى مدى تلهّف سورية على أن تكون على جدول أعمال الإدارة الجديدة، بغض النظر عن حلفها الاستراتيجي مع إيران.

- 3 -

كان من بين أنشطة «كومون غراوند» الأخيرة، أن قامت بمساعدة حركة «صوت واحد One Voice»- وهي حركة سلام عالمية متمثلة بشكل متساوٍ في كل من إسرائيل وفلسطين- بإجراء استطلاع للرأي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكي تضع أمام السياسيين من كلا الطرفين، الحقائق السياسية الموجودة والقائمة فعلياً على الأرض، وليس ما يدور في رؤوس السياسيين فقط من كلا الطرفين. وهي بذلك سعت إلى أن يكون قرار السلام القادم، هو قرار الشعوب أيضاً، وليس قرار المسؤولين السياسيين فقط.

- 4 -

قام استطلاع الرأي الميداني هذا، بعد الحرب على غزة، لكي يؤكد من جديد، ألا سلام في فلسطين بالسيف، ولكن بالعقل والقلم، وشمل هذا الاستطلاع عينة مختارة من 500 إسرائيلي و600 فلسطيني (من الضفة الغربية وغزة)، وذلك لمعرفة رأي الشارع الفلسطيني والإسرائيلي على السواء في مباحثات السلام القادمة. وتقول الباحثة الفلسطينية داريا الشيخ، المتعاونة مع مؤسسة «كومون غراوند»، والناشطة السياسية، والرئيسة التنفيذية لحركة «صوت واحد»، في مقالها «رافعة شعبية لحل الدولتين»، أن أسئلة هذا الاستطلاع صُممت للدفع بأفراد العينة إلى ما وراء ردود «نعم» أو «لا» التقليدية المعتادة والمتصلبة، وذلك بهدف محاولة الوصول إلى عقل الأغلبية، وكيف يعتقدون أن العملية ينبغي أن تنتهي.

- 5 -

كانت نتائج الاستطلاع تشير بشكل واضح، إلى أن حلَّ الدولتين يبقى هو الحل الوحيد المقبول لدى أغلبية كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك من خلال الأرقام التالية التي جاء بها هذا الاستطلاع:

1 - أكد %74 من الفلسطينيين مقابل %78 من الإسرائيليين استعدادهم لقبول حلِّ الدولتين.

2- يعتقد %58 من الإسرائيليين و74% من الفلسطينيين، أن المشاركة المدنية في العملية السلمية أساسية، ومرغوبة.

3 - يرى %59 من الفلسطينيين مقابل %66 من الإسرائيليين، أن دولة واحدة أحادية القومية غير مقبولة.

4 - يعتقد %77 من الإسرائيليين مقابل %71 من الفلسطينيين، أن السلام المتفاوض عليه هو إما «أساسي» وإما «مرغوب فيه».

5 - يرى %94 من الفلسطينيين أن القضية الفلسطينية مشكلة «مهمة جداً» في العملية السلمية. ويصنفونها على أنها القضية الأولى. ولا يرى سوى %30 من الإسرائيليين أنها «مهمة جداً»، ويصنفونها رقم 15 على قائمة الأولويات لدى الإسرائيليين.

6 - القضية ذات الأهمية الأولى بالنسبة للإسرائيليين، هي وقف الهجمات على المدنيين، ويصنفها %90 من الإسرائيليين على أنها ذات «أهمية قصوى»، ويوافق %50 من الفلسطينيين على ذلك، ولكنهم يصنفونها في المركز الـ 19 من 21 قضية.

- 6 -

فما النتائج المُستخلصة من هذا الاستطلاع العلمي، للرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي؟

هذه بعض النتائج الواضحة:

1 - أن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني تعبا واستُهلكت مواردهما وقواهما من جرّاء الحروب العربية-الإسرائيلية، والهجمات الفلسطينية المسلحة على إسرائيل، ويريدون السلام، رغم الممانعة الواضحة والاستغلالية التي يراها بعض السياسيين من كلا الجانبين (حكومة نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان ومجموعة من الأحزاب الدينية الإسرائيلية الصغيرة الأخرى، وحركة حماس والفصائل الدينية الفلسطينية المسلحة الأخرى).

2 - رغبة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في المشاركة الشعبية الفعلية في المفاوضات، وعدم ترك المفاوضات ونتائجها للسياسيين المفاوضين فقط. لأن المشاركة الشعبية هي التي ترى الحقائق على الأرض، بينما السياسيون يعيشون في أبراجهم العاجية العالية، ولا يريدون من المفاوضات غير تحقيق أغراضهم الشخصية، سواء كانت تلك السياسية أم المادية. وفي حالة المشاركة الشعبية في هذه المفاوضات، فإن السياسيين لا يخشون أي قرار يتخذونه كما حصل مع ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

3 - لم تعد القضية الفلسطينية مهمة بالنسبة للإسرائيليين كما هي بالنسبة للفلسطينيين. فالإسرائيليون مطمئنون إلى وضع دولتهم، التي بنوها وشارفوا على استكمال بنائها، من كل النواحي. أما الفلسطينيون فمازالوا يحلمون بقضيتهم ودولتهم، التي لم يروها بعد ستين عاماً من التشرد والشتات. ولهذا فالقضية الفلسطينية بالنسبة لهم هي على أعلى قائمة الأولويات.

فالمسروق مهموم دائماً بما سُرق منه، أما السارق فلا همَّ له.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top