لعل القادة والمسؤولين الإسرائيليين يدرسون اليوم بتمعن احتمال توجيه ضربة إلى إيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية، ولكن كلما فكروا في هذا الاحتمال، وجدوا أنفسهم مرغمين على التأمل فيه لوقت أطول.
ما السبب؟ لا شك أن نظاماً إيرانياً يملك أسلحة نووية يشكّل خطراً وجودياً يهدد إسرائيل، نظراً إلى شغفه العقائدي أو حتى الديني. لذلك من المنطقي الاعتقاد أن هذا النظام قد يقرر تنفيذ تهديده، الذي غالباً ما يردده، ويحاول محو إسرائيل عن الخريطة، ومن المؤكد أن إيران ستسعى، في حال أُتيحت لها الفرصة، إلى تدمير إسرائيل وإلغاء النفوذ الغربي في المنطقة والتحول إلى قوة إقليمية (تهيمن على الأقل على الطرف الشرقي من منطقة الشرق الأوسط، ذلك الطرف المحيط بالخليج العربي الغني بالنفط). وهي تعمل راهناً على تحقيق أهدافها هذه، موسعة رقعة نفوذها لتشمل العراق ولبنان وقطاع غزة وأجزاء من أفغانستان، فضلاً عن ذلك، تستطيع إيران الاعتماد على حلفائها، ومنهم سورية وربما الحكومة التركية، التي يزداد ميلها الإسلامي تدريجياً.يشكّل الإيمان كقوة قائمة بحد ذاتها، مع الاعتقاد أن الغرب ضعيف وفي تقهقر وتوقع أن الله يدعم إيران، مزيجاً قوياً.ولكن حتى لو طورت إيران أسلحة نووية، فماذا ستكون خطواتها التالية؟ لا شك أن خطابها المتشدد العدائي سيثير لا محالة احتمال أن تطلق الحكومة الإيرانية صواريخ مزودة برؤوس نووية على إسرائيل، وأن تنقل الأسلحة والتكنولوجيا النووية إلى مجموعات إرهابية.ولكن أمام النظام الإيراني خيار آخر، خيار يبدو أكثر احتمالاً: شن حملة طويلة ومتنوعة هدفها ترهيب الدول المجاورة له أو تقويضها، وذلك ضمن إطار سعيه إلى بناء إمبراطورية واستغلال ضعف العرب وتقلبات الغرب. طبعاً، ستعمل إيران على تدمير إسرائيل خلال حملتها هذه، إلا أن النظام الإيراني سيعتبر ذلك نتيجة ثانوية مرحباً بها، عوض أن يكون المحور الرئيسي لخطته.يعتقد المحللون الإسرائيليون في الوقت الراهن أن هذه المقاربة الثانية أكثر احتمالاً، وإذا كانوا محقين، فسيودي ذلك على الأرجح إلى أزمة تدوم عقوداً، على غرار الحرب الباردة، وستستعمل إيران خلالها الأسلحة النووية كـ"مظلة" دفاعية تمنع الآخرين من التصدي لاستراتيجيتها العدائية.إذن، هل تسعى إيران إلى امتلاك أسلحة نووية فحسب، ولا نية لديها لإطلاقها؟ لا يمكن لأحد الجزم في هذه المسألة. لكنّ واقع أن إيران مازالت تحتاج إلى بضع سنوات لتطور أسلحة نووية يعطي إسرائيل والأمم الأخرى وقتاً هي بأمس الحاجة إليه لتستعد للرد عليها. لذلك لا داعي للاستعجال وتوجيه ضربة إلى إيران.لا شك أن توجيه ضربة إلى إيران كان سيبدو خياراً ممتازاً، لو كان بمقدور إسرائيل أن تدمر بفاعلية المنشآت النووية الإيرانية، فتفوز بدعم دولي قوي لخطوتها هذه، وتضمن أن إيران لن تتمكن من تطوير أسلحة نووية طوال عقود، وتتأكد من أن احتمال رد إيران على عمليتها هذه ضعيف. لكن الواقع مخالف لذلك بالتأكيد.تبدو احتمالات الخطأ عالية جداً: فقد تضل الطائرات المقاتلة طريقها أو تُسقَط، وكذلك تخطئ القنابل أحياناً هدفها، وقد تكون المنشآت النووية الإيرانية مخبأة أو محمية بشكل أفضل مما تشير إليه التقارير الاستخباراتية، وعلاوة على ذلك، ما إن تكتسب إيران المعرفة اللازمة لتطوير القنابل النووية، فإنه يمكنها في النهاية أن تحاول بناءها مجدداً (حتى إن كانت الحرب مستعرةً بين البلدين).وتشكل هذه العملية تحدياً كبيراً حتى إن كانت إسرائيل تتمتع بدعم المجتمع الدولي الكامل، لكنها لا تملك هذا الدعم، كذلك ستُضطر إلى مواجهة احتمال أن تنهال عليها الصواريخ من "حماس" و"حزب الله".إذن، ما الخطوة التالية؟ أولاً، على إسرائيل أن تعدّ قواتها الهجومية، فضلاً عن درع صاروخية متعددة الطبقات لصد أي هجوم نووي إيراني. صحيح أن هذه الدفاعات ليست مثالية، ولكن بالنظر إلى العدد الصغير من الصواريخ الذي تستطيع إيران إطلاقه، فثمة احتمال كبير أن تنجح إسرائيل في إبطال مفعول هذا الهجوم (على الرغم من أن إدراك إيران لقدرة إسرائيل على توجيه رد مهول قد يردعها عن اتخاذ خطوة مماثلة).لكن استبعاد الهجوم الإيراني راهناً لا يعني أن نستبعده بشكل نهائي، وإذا بدا هذا الاعتداء وشيكاً في المستقبل، يبقى أمام إسرائيل خيار توجيه ضربة استباقية، تماماً كما فعلت في عام 1967 في ظل ظروف مشابهة.تعمل الولايات المتحدة وغيرها من البلدان على بناء نظام يمكنه احتواء إيران، وستدعم تحضيراتها هذا السيناريو الأكثر احتمالاً، فقد بدأت الولايات المتحدة بإرسال أنظمة رصد متطورة إلى الخليج العربي وستقيم منشآت مضادة للصواريخ في تلك المنطقة. تهدف هذه التدابير في المقام الأول إلى حماية المملكة العربية السعودية، إلا أنها ستشكل أيضاً وسيلة حماية فاعلة تقي إسرائيل من الهجمات الإيرانية.لم تحسم القيادة الإسرائيلية رأيها بعد، لكن مقاربة الانتظار والاستعداد تعكس خيار الأغلبية في هذه القيادة، ومع أننا لا نستطيع أن نستبعد توجيه إسرائيل ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً تبقى تطوير إيران أسلحة نووية يمكن استعمالها خلال السنوات الثلاث إلى الأربع التالية، ولا شك أن الولايات المتحدة والعالم سيضطران إلى التعاطي مع هذا السيناريو، علماً أنه يهدد بتبديل الموازين الاستراتيجية بالكامل في الشرق الأوسط.لو كنا نعيش في عالم مثالي لمُنعت إيران بشكل نهائي من تطوير أسلحة نووية، لكن الواقع قد يُظهر أن التحدي الأكبر يكمن في الحؤول دون استخدام إيران هذه الأسلحة كوسيلة استراتيجية تشوه من خلالها صورة القوى الغربية وتقوض الحكومات العربية (أو تحوّلها إلى مجرد أدوات تقدم لها التنازلات). ولا شك أن النجاح في هذا التحدي سيكون أكثر فاعلية في درء الكثير من الاضطرابات وإراقة الدماء في الشرق الأوسط خلال العقود القادمة.*مدير مركز الأبحاث العالمية للشؤون الدولية ومحرر مجلة Middle East Review of International Affairs ومجلة الدراسات التركية.
مقالات
لم يحن بعد موعد مهاجمة إيران؟
22-07-2010