في حوار صحافي أجريته قبل ثلاث سنوات مع الناشر الكويتي د. خالد عبدالكريم رمضان، وكان يتعلق بالرقابة وقضايا النشر، قال ما معناه إن الصحافة الأدبية هنا تشوِّه صورة معرض الكتاب، بتركيزها الشديد على قضية الرقابة، فتصوِّر الأمر وكأنه لا كتب مفيدة في المعرض، هناك العديد من الكتب القيِّمة غير تلك التي مُنعت، فلِمَ لا يتم التركيز عليها؟

Ad

تبدو وجهة نظر معقولة، إذا نظرنا إلى الأمر من جانبه التجاري، الصرف، وعلى المدى المنظور القريب، لكن ما هو أبعد وأعمق أثراً يتمثل في «المنع التراكمي للكتاب»، بمعنى أن يُمنع هذا السنة مثلاً مئتا كتاب صادر حديثاً، هذه الكتب الممنوعة ستظل ممنوعة إلى الأبد.

بينما نجد أنه في السنة الماضية مثلاً، مُنع قريب من هذا العدد، والسنة التي قبلها تم منع 350 كتاباً، جلّها في الأدب والنقد والفكر، وإذا علمنا أن ناشراً ما لن يغامر في إحضار كتاب تم منعه في السنة الماضية أو التي قبلها، على اعتبار أنه سيُعاد منعه، فسنجد أنفسنا أمام صورة تراجيدية لآلاف الكتب التي مُنعت في السنوات العشر الأخيرة فقط، إذاً الأمر ليس مجرد منع مئتي كتاب كما تسرَّب عن لجان الرقابة في وزارة الإعلام.

الأديبة ليلى العثمان تحدثت عن أنها لم تعُد تثق بمعرض الكتاب في الكويت، إنما تقتني كتبها من معرض بيروت. تقارير عديدة تتحدث عن أن معارض الكتب في بعض دول الخليج المجاورة أصبحت أكثر تسامحاً من معرض الكويت.

الإشكالية تكمن هنا في وجود قانون يشرِّع للرقابة، والسؤال: ما جدوى تحركات بعض مؤسسات المجتمع المدني ووقوفها للاعتصام أمام معرض الكتاب، إذا لم يتم إلغاء هذا القانون؟ يحدث ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الكاتب العربي رقيباً داخلياً، واجتماعياً، أشد وطأة من اللجنة التي تضعها وزارة الإعلام، فقبل أن يدفع الكاتب أو الشاعر إصداره إلى المطبعة يفكر ألف مرة بالمجتمع المحيط، أفراد أسرته، أصدقائه، مجتمعه في العمل والحي الذي يعيش به ورواد ديوانيته، هؤلاء جميعاً سيقرأون كتابه ويبدون ملاحظات بشأنه فكيف يضع عبارة أو جملة خادشة للحياء، عدا أن يُصرح بإلحاده أو كفره، أليست تكفي كل هذه الأنماط من الرقابة لقمع الكاتب العربي، حتى يُضاف إليه لجنة أخرى تقرأ وتمنع، بشكل عشوائي أو منتظم لا فرق؟

ليست الرقابة في معرض الكتاب فحسب، بل هناك رقابة في الكتب التي تدرّس لطلبة الجامعة، وربما يتعرض وزير للمساءلة البرلمانية إن أثيرت قضية تتعلق بتدريس كتاب لا ينسجم وأفكار بعض التيارات المتشددة في مجلس الأمة، حتى إن كان هذا الكتاب مفيداً ويقدم فائدة حقيقية للطلبة. بعض هذه الكتب يتحدث عن التيارات الفلسفية، أو المدارس الفنية المعاصرة، أو الأدب الحديث. كيف لنا أن نتخيل أستاذاً جامعياً يبدع في أحد هذه المجالات، إذا كان يتصور أن عصا الرقيب تقف فوق رأسه؟ وهي بالطبع عصا أخف وطأة من الرقيب الداخلي، الذي يعيش في أعماقه.