يتفق الجميع تقريباً على أننا كدولة ومجتمع قد تراجعنا على الصعد كافة خلال العقود الثلاثة الماضية، وأصبحت الكويت تقترب من مصاف الدول الفاشلة بعدما كانت فيما مضى تسمى "درة الخليج"، ومما لاشك فيه أن السبب الرئيس لتراجعنا يعود إلى عدم الاستمرار في بناء الدول الدستورية الديمقراطية العصرية التي وضع أسسها دستور 1962، وهي الدولة المدنية التي تحفظ حقوق مواطنيها الذين يتساوون أمام القانون بغض النظر عن الأصل أو النسب أو الطائفة أو الدين أو المذهب أو الجنس أو لون البشرة أو مكان السكن، وتحمي حرياتهم العامة والشخصية باعتبارها حقوقاً مدنية مكتسبة كفلها الدستور.

Ad

ومن المعروف تاريخياً أن للقوى الدينية السياسية، وبالذات "الإخوان المسلمين" و"السلف"، موقفاً مؤيداً وداعماً للتراجع عن بناء الدولة الدستورية المدنية العصرية واستبدالها، حسب طموحهم، بالدولة الدينية على غرار دولة "طالبان" في أفغانستان التي كانوا جميعهم، ولايزال قسم معتبر منهم، من أبرز مؤيديها والمدافعين عنها، إذ تجلى هذا الموقف المؤيد للدولة الدينية والطامح لقيامها بشكل واضح أثناء محاولاتهم المتكررة والفاشلة لتعديل المادة الثانية من الدستور لكي تصبح الشريعة الإسلامية هي "المصدر الرئيسي للتشريع" بدلاً من كونها "مصدر رئيسي للتشريع"، كما هي الآن.

لهذا... فمن غير المستغرب أن تحاول القوى الدينية السياسية بين الفينة والأخرى، لاسيما بعد فشلها الذريع في تعديل المادة الثانية من الدستور، فرض رؤاها الخاصة لكي نقترب كمجتمع شيئاً فشيئا مما كان عليه المجتمع الأفغاني أيام حكم "طالبان"، وذلك من خلال التفاف هذه القوى الدينية السياسية حتى على النصوص الصريحة للدستور مثل المادة (30) التي تنص على أن "الحرية الشخصية مكفولة"، يساعدها في ذلك تردد الحكومة في اتخاذ موقف حاسم تجاه حماية الحريات الشخصية والعامة وموافقتها أحياناً كثيرة، نتيجة لحسابات سياسية ضيقة، على تقييد هذه الحريات بقوانين ولوائح تنظيمية غير دستورية مثل لائحة "ضوابط" الحفلات وقانون "الاختلاط"، علاوة على الموقف المتردد وغير الواضح لأعضاء البرلمان الممثلين للقوى الوطنية الديمقراطية، إذ تتسم مواقفهم في الدفاع عن الحريات العامة والشخصية دائماً بردة الفعل المؤقتة وتتحكم بها الحسابات الانتخابية الضيقة والخاصة لكل واحد منهم على حدة، فضلاً عن ضعف القوى الوطنية الديمقراطية وتراجع دورها وغياب الدور المؤثر لمؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن الحريات والمكتسبات الدستورية.