هل يقود الشارع أم يقاد؟!
هل يقود الشارع الساسة أم أن الساسة يقودون الشارع؟ هذا التساؤل المشروع يمثل عصب الديمقراطية وميزان العمل السياسي وله استخداماته وإسقاطاته على عدة أوجه.فالشارع من جهة يمثل نبض الرأي العام وهو المحرك الأساسي للقرار السياسي بل إن ذوق الشارع واختياره وتوقيته هي عوامل إيصال القادة والساسة وصناع القرار للمناصب القيادية في الدولة الدستورية، ومن خلال رغبة الشارع فقط يستمد القادة والساسة شرعية وجودهم وصلاحياتهم.
والعكس صحيح إلى حد كبير، فقد ينجح القادة السياسيون في تحريك الشارع وتوجيهه عبر تسويق أفكارهم وبرامجهم، بل قد يتعزز تأثيرهم على الشارع في حال ترجمة تلك الأفكار على أرض الواقع وقطف ثمارها بشكل ملموس ومباشر.ولهذا فإن التأثير المتبادل بين الشارع والساسة هو التحليل الأكثر إنصافا وموضوعية، فالأمثلة على ذلك كثيرة عبر الثقافات والنماذج السياسية في الحكم في العالم، وقد تكون الدول الديمقراطية الكبرى ذات النظم الحزبية المحددة أوضح في تفسير ظاهرة التفاعل بين الشارع والساسة، ولكن هذا لا يمنع وجود هذا التأثير المتعاكس في مجتمعنا الكويتي.ولكن ما يميّز واقعنا السياسي خصوصا في ما يخصّ تأثير الشارع على الساسة أن الاستشهاد بهذا الأمر يُستغل للضرب السياسي، خصوصا تحت الحزام، وحتى نقرب هذه الفكرة فلا بأس بذكر بعض الأمثلة العملية التي أصبحت مادة للإعلام السياسي في السنوات القليلة الماضية.فالساسة ونواب البرلمان على وجه الخصوص إذا أرادوا التسويق لأفكارهم ومواقفهم السياسية في مقابل خصومهم من النواب تحديداً يلجؤون إلى إقحام بعد الشارع بما يخدم مصلحتهم الخاصة، ففي حالة الوقوف ضد القوانين ذات الطابع الشعبي يتم التدريج لفلسفة عدم التسامح للشارع لإدارة المواقف السياسية واتهام الطرف الآخر بدغدغة عواطف الشعب والتكسب السياسي من ذلك، وفي المقابل إذا ارتأت نفس المجموعة في التسويق لأفكار ومواضيع من قبيل الإصلاح السياسي مثلاً فإنهم يطرحون مبرراتهم في ذلك بأن هذه هي رغبة الشارع وإرادة الناس. ومن جهة أخرى نجد أن من يدعي ضرورة قيادة الساسة للشارع في بعض القضايا العامة سرعان ما يغير موقفه، وإذا سئل عن سبب ذلك يقول هناك ضغط كبير عليّ من الدواوين والناخبين، وفي نفس الوقت الذي يبيح لنفسه الخضوع لهذا الضغط فإنه يستكثره ويستنكره على الآخرين.وقد تبدو مثل هذه المواقف متناقضة ومتعارضة، ولكن هذا التناقض يزول في حالة تقسيم الشارع نفسه، وبمعنىً آخر فإن الرأي العام الكويتي بعمومه مفروز ومستقطب إلى حد كبير، فالمعارضة أصبح لها شارعها الخاص والموالاة للحكومة حشدت أيضاً شارعها الخاص بها، ولهذا نجد أن نواب المعارضة أو الشعبويين أو التأزيميين كما يطلق عليهم الآن يحصدون أعلى الأصوات الانتخابية في مناطقهم، بينما النواب الحكوميون خصوصا الجدد يحتلون المراكز المتقدمة في دوائرهم الخاصة.فالحديث عن عدم الانجرار مع الشارع يكون من قبل نواب النوع الثاني ضد النوع الأول والعكس صحيح، وإذا افترضنا أن النائب الحاصل على المركز الأول في شارعه يخوض الانتخابات في الشارع الآخر، فقد لا يحلم بالنجاح، وبالمثل قد تكون النتيجة للنائب الأكثر شعبية عندما يترشح في منطقة غير منطقته المفضلة.فالكل شارعه عزيز عليه فقط، وتبقى المسألة في بعدها النسبي ما دامت الدوائر الانتخابية وبالتبع الخطاب السياسي فيها قائمة الفرز الفئوي والقبلي والمذهبي، وقد يكون الحل في إذابة هذه الفوارق من خلال الدائرة الانتخابية الواحدة والقوائم الوطنية فيها، وحتى ذلك الحين وكما تقتضي الديمقراطية يجب احترام إرادة كل شارع وميوله وذوقه وأولوياته. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء