عبدالفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل

نشر في 21-12-2009
آخر تحديث 21-12-2009 | 00:00
 فوزية شويش السالم على الرغم من أن التشابه في منطقة الخليج العربي يكاد يكون متطابقا

ومتماثلا في اغلب نواحي الحياة أيا كانت، تاريخية، جغرافية، اجتماعية، سياسية، تراثية وبالطبع دينية، فإن هناك اختلافات بسيطة، ربما لا يدركها إلا أهل الخليج، ومن هذه الاختلافات ما ينعكس على الأعمال الفنية والأدبية،

وهذا ما التقطته من اختلافات في العمل الروائي كمثال، ففي الصيف الماضي قرأت 12 رواية إماراتية ولاحظت أنها معنية تماما بتفاصيل المكان، الحياة فيه وتأثيره على من فيه، وذلك بالمقارنة مع الرواية الكويتية المنصب جل اهتمامها على الحياة الاجتماعية في غالبها، وهذا هو طابع المجتمع المدني السائد في مدينة صغيرة ومساحة مكان متماثلة في طبيعتها.

أما الرواية في عُمان فقد لاحظت أنها تتميز بتفرد غريب عن بقية روايات دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك اختلاف في طريقة التفكير مما ينعكس بدوره على العمل الروائي والقصصي ويمنحه خصوصية خاصة بالأدب العماني، وسواء كانت الرواية ذات مضمون اجتماعي أو سياسي، أو تاريخي أو تراثي، فإن طريقة تناولها لها نكهة غريبة غير عادية في أغلب الكتابات التي قرأتها لكل من: بدرية الشحي، بشرى خلفان، بدرية الوهيبي، جوخة الحارثي، وسليمان المعمري، وسأتناول في هذه المقالة قصص سليمان المعمري في كتابه «عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل» وهي قصص ببطل واحد، وكأنها رواية ولكنها ليست كذلك، والغرابة لا تأتي من هنا، لأنه شيء طبيعي أن يكون هناك تحديث في التقنية، ولكن الغرابة تأتي من تركيب هذه الشخصية، ومن طريقة تفكيرها، فهو إنسان وحيد منكفئ إلى الداخل، من رقته يبدو كجبان، ومن رهافته يبدو كضعيف، يعيش حياته في مونولوجات داخلية، كل ما فيها تأمل ساخر من نفسه وممن حوله، ونظرته إلى الحياة متفردة في التقاطاتها، وغير شائعة في ما بين الناس... هذا العبدالفتاح المتكرر في مرايا ذاته، والمتعدد في صيغه، كأنه الإنسانية كلها مصبوبة في مصير إنسان غلبان يصر ذاته في داخله ويدور في دائرة التكرار الأبدية... أحلامه الخائبة كثيرة ومهزومة، يسخر منها ومن نفسه، وسخريته حادة لاذعة، مضحكة في خفة دمها وفي لقطاتها الكوميدية.

حكايات عبدالفتاح صوت يكرر نفسه لإنسان* «ليس أكثر من حصاة بائسة في طريق وعر، وعندما يخرج عبدالفتاح كل مساء من علبته الأسمنتية كان يتناثر في الشوارع كبطيخة شقت للتو، فكر في أخطاء حياته التي يظنها هي الأخرى فادحة، كان أهمها نسيانه مضغة صغيرة منه في كل مكان يذهب إليه».

عبد الفتاح هذا غير متأكد من أي شيء، لذا فهو لا يحب التفاصيل، وهذا أجمل ما في النص، تلك التفاصيل الملتقطة بذكاء وبخفة دم نادرة، وبصور جديدة لم تبتذل مثل: «كانت عيناها فراشتين في مطلق... وشفتاها ترتجفان وتنخفضان كأرجوحة أطفال».

عبدالفتاح المنغلق، ورغم انغلاقه فله القدرة الكافية لضخ ما يعتمل فيه إلى الخارج بشكل ساخر حزين، دقيق في تعبيره، وعميق في التقاطاته، التقاطات إنسان هذا العصر المعزول في عالمه الصغير رغم اتساعه.

سليمان المعمري أجاد في تركيبة البناء النفسي والروحي وانعكاسه إلى الخارج في شخصية عبدالفتاح المنغلق... وهذا البناء في الشخصية وفي تحديد ملامحها الإنسانية هو ما تميز به سليمان المعمري.

وبهذه الإضافة المتفردة من الكتابة العمانية، نستطيع أن نقول بكل فخر: أمعنوا النظر في الكتابة القادمة من الخليج، فهي تحمل راية الجدة والاختلاف. 

back to top