يعيش لبنان منذ أشهر طويلة صراعاً بين مشروعين:
1 - الأول يقوم على اعتبار لبنان جزءاً من منظومة عربية ودولية متكاملة تشكل مواقفها من الوضع اللبناني مظلة واقية لحفظ المؤسسات الدستورية ومنع تغيير خياراتها في اتجاهات إقليمية تتطلع تقليدياً إلى وضع يدها على لبنان كسورية وإيران من جهة، وإسرائيل من جهة مقابلة.2 - الثاني يقوم على اعتبار لبنان جزءاً من منظومة إقليمية عربية – إسلامية تقودها دمشق وطهران وتهدف إلى "استعادة" لبنان من السياسات الدولية التي نجحت في غضون السنوات الخمس الماضية في الإمساك بالكثير من مفاصل الحياة السياسية فيه على حساب النفوذين السوري والإيراني.وعلى الرغم من تشعب المواضيع والملفات الخلافية المطروحة على الساحة اللبنانية سياسياً وأمنياً وقضائياً واقتصادياً وإنمائياً، فإن المراقبين يعتبرون أن جامعاً مشتركاً واحداً يظلل كل ما تتم إثارته سياسياً وإعلامياً وحزبياً ورسمياً، وهو ما يمكن إدراجه تحت عنوان: "في أي محور يتموضع لبنان في الصراع على تغيير موازين القوى في المنطقة؟".فحلفاء سورية وإيران المحليون يريدون انتزاعه من دائرة التأثير الأميركي – الأوروبي ليصبح جزءاً من عناصر المواجهة مع السياسة الغربية في المنطقة، وقوى 14 آذار تريد الحفاظ على الواقع الدولي الذي قام منذ عام 2004 وتكرس في عام 2005، لناحية إحاطة لبنان بمجموعة من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وبرعاية دبلوماسية أميركية وغربية مباشرة ولصيقة شكلت بديلاً عن سياسة تجيير الغرب الواقع اللبناني لدمشق على مدى عقود من الزمن.وفي رأي المتابعين عن قرب للوضع اللبناني فإن قراءة أي موقف أو توجه أو قرار يصدر عن الجهات اللبنانية المعنية سياسياً وحزبياً، يجب أن تتم من هذه الزاوية...1 - فالصراع على دور القوى الأمنية والعسكرية في ضوء إثارة ملف مقاومة "حزب الله" لإسرائيل، وفي دور المساعدات التي يتلقاها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول غربية أخرى، لا يعدو كونه مسألة رغبة لدى سورية وإيران في إبقاء القرار الأمني والعسكري في لبنان بيد "حزب الله"، وبالتالي بيد دمشق وطهران.2 - والخلافات في النظرة إلى القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، وآليات وضعها موضع التنفيذ، ولا سيما بالنسبة إلى قوات الطوارئ الدولية، والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ليست مسألة تقنية على علاقة بنص أو باجتهاد قانوني أو بمدرسة قضائية في مواجهة مدرسة أخرى، وإنما هي جزء من نظرة سورية وإيران إلى أهمية رفع اليد الدولية عن هذه القطاعات الحساسة، لما لمثل هذا الرفع من انعكاسات إيجابية على دور "حزب الله" وقوته وموقعه على الساحة اللبنانية، وبالتالي لما له من تدعيم لموقع سورية وإيران في المعادلة الإقليمية.3 - أما السجالات التي دارت منذ أسابيع على خلفية ملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية والمجال الاقتصادي اللبناني، فتشبهها الجهات الدبلوماسية المتابعة بورقة "مزارع شبعا" بالنسبة إلى "حزب الله". وتوضح هذه المصادر وجهة نظرها بالقول إن لبنان لم يأت على ذكر مزارع شبعا، ولم يتم إدراج هذه المنطقة على الخريطة الرسمية للجمهورية اللبنانية الصادرة عن المؤسسات الرسمية المعنية إلا بعد انسحاب إسرائيل من لبنان. في وقت كانت الخرائط الرسمية للجمهورية اللبنانية تصدر وتوزع من دون هذه المزارع. أما بالنسبة إلى التنقيب عن النفط والغاز فتشير المعلومات المنشورة على موقع الشركة التي تتولى التنقيب عن النفط في المياه الإسرائيلية واستخراجه إلى أن عملها بدأ قبل أكثر من خمس عشرة سنة، وبالتالي فإن إثارة لبنان لهذه المسألة اليوم ليست مسألة تقنية بل مسألة سياسية على علاقة بتعزيز "ملف الأسباب الموجبة" لبقاء سلاح "حزب الله" على حاله في مواجهة محاولات تغيير الواقع لمصلحة صيغة جديدة تكون الدولة اللبنانية فيها من خلال مؤسساتها الشرعية المرجعية الوحيدة القادرة على التعاطي مع الواقع اللبناني ومع المجتمع الدولي على حد سواء.4 - ويبقى ملف المحكمة الدولية الخاصة التي تتعرض لحملة من جانب حلفاء سورية وإيران في لبنان، على خلفية اتهامها بالسعي إلى "تزوير" الحقائق المتعلقة بجرائم الاغتيالات السياسية، للاقتصاص من "حزب الله" وغيره من الجهات الرافضة للسياسة الأميركية – الغربية في لبنان والمنطقة. وبذلك تكون المحكمة قد تحولت بدورها إلى مادة صراع بين مَن يريد الحد من صلاحياتها وترك مسألة الاغتيالات لإدارة لبنانية تقليدية، وبين المتمسكين بالمحكمة كجزء من تمسكهم بالغطاء الدولي المانع للعودة بالأمور إلى ما قبل عام 2005.
دوليات
النفط والسلاح والقرارات الدولية والمحكمة والقوى الأمنية ملفات داخلية تحولت إلى أوراق في الصراع على موقع لبنان
14-07-2010