زمن عبدالله السالم 
ذهبت مع الريح


نشر في 06-01-2010
آخر تحديث 06-01-2010 | 00:00
 أ.د. غانم النجار لا أظن أن هناك من كان يتوقع أن تصبح الأوضاع في الكويت أسوأ مما كانت عليه قبل 50 عاماً. وسوء الأوضاع الذي نتحدث عنه هنا ليس من باب الافتراض أو التجنّي، بل هو سوء يجرنا إلى المجهول، إلى الهاوية.

كيف كانت الأحوال سنة 1959 وكيف أصبحت في 2009 بعد خمسين عاماً؟

التشابه المؤكد هو أن 1959 و2009 كانتا سنتي أزمات حادة. أما التفاوت بينهما والتباين الشديد فهما في طريقة الخروج من تلك الأزمة.

سنة 1959 بدأت بأزمة شعواء، ظن مَن ظن حينها أنها إعادة إنتاج للنمط القمعي المركزي، فالصحف قد أُغلقت والنوادي أُقفلت والقيود على حركة المجتمع قد وُضِعت، ولكنها انتهت بتأسيس قواعد حكم جديدة، وترسيخ مفاهيم مشروع الدولة الذي انتهى لاحقاً بمشروع سلس متكامل اسمه دستور 1962.

مع أن بدايات 1959 كانت توحي بالويل والثبور وعظائم الأمور وتشير في اتجاه انعزال السلطة والأسرة الحاكمة عن الشعب، فإن الحراك السياسي والاجتماعي كان يتجه ويؤسس لاتجاه آخر، سيخرج لنا الحي من الميت.

كانت المشاورات بين النخب السياسية والحاكم على أشدها، لا تتوقف، وكانت الاجتماعات تؤشر في اتجاه كيفية انتشال الوطن، وعلى هذا الأساس تمت الإجراءات في ثلاثة اتجاهات الأول تخفيف التصعيد والتوتر الشعبي، وهو ما لم يكن محموداً، والثاني إجراء تغييرات جذرية في هيكل الحكومة وهو ما كان مطلوباً ومتوقعاً، والثالث إجراءات هيكلية في جسد الدولة من خلال تأسيس القواعد القانونية للدولة.

وهكذا لم يطل الزمان حتى أثمر ذلك إنتاجاً بعظمة الدستور بعد سنتين لا أكثر. صحيح أن معادلة إنتاج الدستور متشابكة، ولكن ترسيخها تم في 1959. وصحيح أن النخبة السياسية في ذلك الوقت، بمن فيها الشيخ عبدالله السالم رحمه الله، لم تكن ملائكة، وصحيح أن هناك جملة أخطاء قد ارتكبت، ولكن إرهاصات وتداعيات 1959 دفعت بكل ما فيها إلى وضوح المخرج وهو مشروع الدولة، وإنهاء مشروع الإمارة، وهكذا كان.

أما 2009، «فشوفة عينك» أو «الله يخلف علينا»، فبدأت بمهازل وكانت محصلة لأزمة تبدو مستديمة عنوانها الرئيسي ضياع وضعف حكومي، انتشر في جسد المجتمع كله.

وخلال الأزمات فإننا بالكاد نسمع عن اجتماع جدي لبحث المشكلة على مستوى النخبة، وقد كنا حتى فترة قريبة نسمع لاحقاً عن اجتماع عقد لتدارس أزمة البلاد، ويتم تسريب خبر هنا عن تلك الاجتماعات، أما اليوم فحتى تلك التسريبات لم يعد لها وجود، ليس لأنها تتم بصورة سرية محكمة، ولكن لأنه لا أحد يتشاور مع أحد في سبب الأزمة، وأصبحنا نسير بردود أفعال لتثبيت كرسي هنا أو كرسي هناك، وسط حالة هيستيريا ذاتية، تفرّق المجتمع ولا تجمعه، وتغوص في الجزئيات والتفاصيل الغارقة في الوحل «قدم ملوية مغروسة في الطين»، أعاننا الله على اقتلاعها والسير بها كما يسير الناس. 

back to top