مشكلة الرياضة في الخليج مشكلة عائلية بحتة، فأي شخص يشعر بالغيرة من ابن عمه يتجه لدعم النادي المنافس، أما إذا تطور شعور الغيرة إلى كراهية فإن هذا الشخص ابن العائلة «السوبر ديلوكس» يبدأ بسياسة الدعم التخريبي نكاية بقريبه الذي يترأس النادي, حيث يدعو اللاعبين للسهرات ويهديهم السيارات من أجل أن يتحول المدافع إلى صانع ألعاب للفريق المنافس، ويصبح المهاجم حارس مرمى تطير الفرص السهلة أمام عينيه في الوقت الذي تتقطع فيه الحبال الصوتية للمعلق الذي يصرخ: «حراااام «، أما محاسب النادي فيتحول إلى عميل مزدوج!

Ad

فيما مضى كنت أفسر إقبال أبناء العائلات المرموقة في الخليج على إدارة الأندية- وفي طليعتهم بالطبع شباب الأسر الحاكمة- بكون الرياضة مجالا يمنح هؤلاء الشهرة والاتصال بالناس دون أن تكون له ضريبة تخل بـ»البرستيج» المرتبط بمكانتهم الاجتماعية, وكنت أرى أن هذا الأمر إيجابي جدا، فما داموا ينفقون الأموال على الأندية ويبذلون الجهود المتواصلة لتطويرها فإن ذلك سيعوض غياب الدعم الحكومي واختفاء مصادر الدخل الأخرى مثل الإعلانات والنقل التلفزيوني.

ولا شك أن الكثيرين منهم ساهموا في نهضة الرياضة الخليجية في بدايات الحركة الرياضية، ولو أردنا أن نستعرض الأدوار الرائدة التي قام بها الجيل السابق من أبناء الأسر المرموقة لاحتجنا إلى أضعاف هذه المساحة كي نستطيع إنصافهم، ولكن الجيل الحالي يكاد يعصف بجهود الجيل الذي سبقه بسبب العناد والمناكفة وتحويل كل القضايا العامة إلى قضايا شخصية.

والعناد قوة سلبية تختلف في اتجاهها عن قوة التنافس الشريف، فالأموال التي يفترض أن تتجه لدعم النادي تتحول إلى جيوب الصحافيين الرياضيين الذين يفتعلون الأزمات المتواصلة لتحقيق الغاية الخفية التي في نفس يعقوب، أو أنها تدخل في لعبة المزايدات و»الحراج» المضحك لإرباك صفقة انتقال هذا اللاعب أو ذاك من ناد إلى آخر، أو أنها تتجه إلى أرصدة رؤساء الأندية الصغيرة كي بجعلوا من أنديتهم جسورا لتحقيق مصالح الأندية الكبيرة، وما هو أدهى وأمرّ هو أن هذه الأموال أصبحت تحرك أعضاء اللجان الوطنية وموظفي المؤسسات الرياضية العامة فتحولهم إلى قطع شطرنج بائسة ترفع شعار: «حطني... تلقاني».

ليست لدي أدنى عقدة من تزاحم أبناء العائلات المرموقة على إدارة الأندية، بل إنني أرى هذا الأمر طبيعياً جدا، ولكن ما هو غير طبيعي هو إدارة العمل المؤسساتي بعقلية عشائرية، بحيث تتحول الخلافات الشخصية العابرة إلى معارك كبرى تحتاج تدخلا من مجلس الأمن كي يستطيع اللاعبون ركل الكرة... فحين يلعب أبناء العز يتوقف الجميع عن اللعب، ويصبح اللاعب الموهوب مجرد كرة جلدية مسلوبة الإرادة ترتطم بالعارضة، ثم تعود لترتطم بالحكم، بناء على رغبة من سددها... أو بصورة أدق «من سدد لها».

حتى الجهات التي تدفع الأموال للأندية مثل شركات الاتصالات والقنوات الفضائية فهمت اللعبة، وأصبحت لا تتحرك وفق قوانين السوق، بل بالتوافق مع الأمزجة الحادة، وبالتماهي مع نظرية «فلان ما يشتهي فلان»... لذلك ينجح الاحتراف الكروي في دول فقيرة مثل غانا والسنغال، أو حديثة عهد بكرة القدم مثل اليابان وأستراليا، ويفشل في دول الخليج، فالعين هنا لا تعلو على الحاجب، والحاجب لا يطيق الحاجب الآخر!

* كاتب سعودي